تجويز بعض العلماء طلب الولاية استثناءاً لا يدل على جواز طلب الأحزاب الولايات أصالةً لأنه حُكم استثنائي.
وطلب المنظمات المدنية الولايات أضر من الطلب الفردي غير الحزبي لأن حقيقته طلب أفراد يتقوون بأحزابهم والتي كثيراً ما تتقوى بالأجنبي.
ولا يجوز طلب المنظمات المدنية الولايات استثناءاً لأن مفاسده إما راجحة أو لعدم دوام الأصلح، وهو بداية انحراف، للمزيد؛ مدونتي » إصلاح » الإصلاح السياسي الأصلي والاستثنائي » السعي الحزبي للسلطة.
وطلب الولايات الفردي بالآلية الانتخابية الحالية (غير الهرمية) فيه أضرار لابد من اعتبارها في الموازنات الشرعية، ومن ذلك؛ إنفاق المال في الحملات الانتخابية.
وأما طلب الولايات الفردي استثناءاً بآلية لا ضرر فيها في ذاتها؛ فإن القواعد الفقهية تدل على جوازه وإن لم تدل عليه قصة يوسف عليه السلام، ومن ذلك أنه محرم لغيره وأنَّ المحرم لغيره يباح عند الاحتياج.
ولا يبعد أن يوسف عليه السلام اختار ولاية بعينها بعد أن عرض عليه الملك توليته بدون تحديد نوع الولاية؛ {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}.
ولكن يجب التنبه إلى أن الاحتياج له شروط الاضطرار، ومن ذلك التعين بألا يوجد طريق مباح لتحقيق الأصلح الحاجي أو الضروري.
وإن قيل إن علياً وعثمان رضي الله عنهما تنافسا على الإمارة من غير نكير، وأن هذا إجماعٌ سكوتي، وأن طلب الإمارة قد رُوي عن غيرهما كسعد بن عبادة رضي الله عنه؛ فجوابه أن فعل الصحابي لا يُبطل النص.
والأصل في الإجماع السكوتي أنه ظني، والنص حتى ولو كان ظنياً مقدم على الإجماع الظني الذي لم يترجح بنص.
ولم يخطيء هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في هذه المسألة مع أنهم ليسوا معصومين من الخطأ والهوى الخفي العارض، ولكن خطأ الكبير صغير.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره، ويعفي عنه مالا يعفي عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم") [1].
فأهل بدر غُفر لهم السابق واللاحق من ذنوبهم كبيرها وصغيرها، فكبائرهم مثل صغائر من دونهم.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (الرجل العظيم في العلم والدين، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة، أهل البيت وغيرهم، قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقروناً بالظن، ونوع من الهوى الخفي، فيحصل بسبب ذلك ما لا ينبغي اتباعه فيه) [2].
وذلك مصداق قول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما علمنا أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرَضَها، حتى كان يومئذ) في قول الله تعالى ذِكْرُه: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ}.
وقد سُمى هذا الهوى بالخفي لأن صاحبه لا يشعر به، فقد يكون الإخلاص لله مشوباً بحظ للنفس قليل، فإذا عظُم حظ النفس صار هوىً خفياً.
ومثل هذا الهوى عارضٌ يزول سريعاً، ولكن قد يطول أمده من غير الصحابة رضي الله عنهم لقوة شبهة لم يجد صاحبها ما يدفعها عنه.
والنية القليلة للدنيا التي لا تساوي نية الآخرة ولا تزيد عليها لا تفسد العمل الصالح، وقد أذن الشارع في بعض المسائل التي يُبتغى بها الآخرة ابتغاء شيءٍ قليل من الدنيا بها.
وسبق دلالة المعقول والدراسات والتجارب البشرية اليقينية على أن الصراع يشتد على المُتنافس عليه كلما قل وزادت أهميته، وأن الولايات بالغة الأهمية ومحدودة جداً؛ فالرئيس واحد، وكذا رئيس الوزراء ووزير الصحة وحاكم الولاية، وهكذا، وسبق أن طلب الولاية فيه شبهة الحرص على المال والشرف مع عدم وجود مصلحة راجحة.
وطلب الولاية عن طريق الأحزاب يؤدي إلى تقديم مصالح كل حزب على الآخر وعلى المجتمع ويؤدي إلى صراع ومكايدات، فهو أضر من الطلب الفردي للولاية لما فيه من تقوي طالبي الولاية بأحزابهم وبالأجنبي.
المصادر
[1] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (ج1/ص176)، دار الكتب العلمية، بيروت.
[2] منهاج السنة النبوية (ج4/543)، تحقيق؛ محمد رشاد سالم، جامعة الإمام، الطبعة الأولى، 1406هـ - 1986م.
[2] منهاج السنة النبوية (ج4/543)، تحقيق؛ محمد رشاد سالم، جامعة الإمام، الطبعة الأولى، 1406هـ - 1986م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق