رجوع إلى قسم منهج وإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين.ادعاء حمل طلب المدد من الصالحين على السببية مجرد جدل، والشفاعة الشركية غالباً ما تكون بعبادات دون الدعاء.
كثير من الشرك ادعاء توكيل وتفويض، فيقولون مثلاً؛ ربنا وكل الأصنام والصالحين بقضاء الحوائج مثلما يتعالج الإنسان عند الطبيب.
وهم يعلمون أنه لابد أن يختص الله نفسه بأمور ليظهر كمال قدرته لخلقه، ويعلمون ما هي.
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ٢٥۸].
وقال الله تعالى: ﴿قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ وَٱلَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ﴾ [الشعراء: ٧٥ - ۸١].
والشفاعة الشركية هي اعتقاد شفاعة الآلهة الباطلة عند الله في صلاح أمور الآخرة أو الدنيا (قضاء الحوائج) بعبادتها من دون الله.
وهذا إذا عبدت بنحو السجود والنذر وتقريب القرابين.
وأما إذا عبدت بدعائها من دون الله، فالغالب في ادعاء شفاعتها في قضاء الحوائج أنه مجرد جدل ومكابرة.
وذلك لأنه يستحيل في الطلب عادة قصد شفاعة المطلوب بدون قرينة صارفة عن قصد طلبه.
والشفاعة الشركية شرك في التشريع.
والشرك في التشريع منازعة لله في ملكه.
قال الله تعالى: ﴿قُل لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَميعًا لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ [الزمر: ٤٤].
وقال: ﴿مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ﴾، وقال؛ ﴿وَلا يَشفَعونَ إِلّا لِمَنِ ارتَضى﴾.
والشرك في التشريع شرك في الربوبية لأن التشريع فعل تدبير خاص بالخالق.
سئل حذيفة رضي الله عنه عن هذه الآية: ﴿اتَّخَذوا أَحبارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ﴾، أكانوا يصلون لهم؟ قال: (لا، ولكنهم كانوا يحلون لهم ما حرم عليهم، فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم، فيحرمونه، فصاروا بذلك أرباباً) [١].
قال الله تعالى ذكره: ﴿اتَّخَذوا أَحبارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ وَالمَسيحَ ابنَ مَريَمَ وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدوا إِلهًا واحِدًا لا إِلهَ إِلّا هُوَ سُبحانَهُ عَمّا يُشرِكونَ﴾ [التوبه: ٣١].
والشرك في التشريع شرك في العبادة لأنه طاعة للمشرعين من دون الله على وجه التدين والاعتقاد.
قال الله جل ثناؤه: ﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدّينِ ما لَم يَأذَن بِهِ اللَّهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ﴾ [الشورى: ٢١].
وصيغ النصوص تدل على اعتقاد بعض المشركين شفاعة الآلهة الباطلة وادعائها جدلاً من آخرين.
وجاء ذكر شفاعة الآلهة الباطلة بإطلاق في أمور الدنيا والآخرة، ومن قواعد التفسير أن الآية إذا احتملت معانٍ صحيحة غير متضادة فكلها مرادة.
قال الله جل ثناؤه: ﴿أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [الزمر: ٣].
قال الطبري رحمه الله: (يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زلفى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا، وهي فيما ذكر في قراءة أبي: "ما نعبدكم"، وفي قراءة عبد الله: "قالوا ما نعبدهم") [٢].
وقال الله تعالى: ﴿وَيَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَيَقولونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِندَ اللَّهِ قُل أَتُنَبِّئونَ اللَّهَ بِما لا يَعلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الأَرضِ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ﴾ [يونس: ١٨].
قال السمعاني رحمه الله: (فإن قال قائل: كيف قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله وهم لا يؤمنون بالبعث؟ الجواب: أنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله في مصالح معايشنا في الدنيا) [٣].
وقال الله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُل أَوَلَو كانوا لا يَملِكونَ شَيئًا وَلا يَعقِلونَ﴾ [الزمر: ٤٣].
قال الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم) [٤].
وقال ابن عاشور رحمه الله مبيناً أن شفاعة الآلهة الباطلة دعوى جدلية: (أم منقطعة، وهي للإضراب الانتقالي، انتقالاً من تشنيع إشراكهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم، ذلك أنهم لما دمغتهم حجج القرآن باستحالة أن يكون لله شركاء تمحلوا تأويلاً لشركهم فقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، كما حكي عنهم في أول هذه السورة، فلما استوفيت الحجج على إبطال الشرك؛ أقبل هنا على إبطال تأويلهم منه ومعذرتهم. والاستفهام الذي تشعر به أم في جميع مواقعها هو هنا للإنكار، بمعنى أن تأويلهم وعذرهم منكر كما كان المعتذر عنه منكراً فلم يقضوا بهذه المعذرة وطراً) [٥].
يؤكد صحة أن الشفاعة دعوى جدلية من بعض المشركين؛ مناسبتها لآيات سابقة في نفس السورة، منها؛ ﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ لَيَقولُنَّ اللَّهُ قُل أَفَرَأَيتُم ما تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ إِن أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَل هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَو أَرادَني بِرَحمَةٍ هَل هُنَّ مُمسِكاتُ رَحمَتِهِ قُل حَسبِيَ اللَّهُ عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلونَ﴾ [الزمر: ٣٨].
وأما ادعاء أن الله تعالى وكَّل بعض خلقه في قضاء تلك حاجات وأن قضاءها لا يقع إلا بإذنه، فإنه لا يغير حقيقة أن دعاء غير الله شرك بيِّن بالشرع والفطرة والعقل.
أما دلالة العقل؛ فليُظهر الله تعالى خصوص قدرته وكمالها للناس؛ اختص نفسه بتدبير كثيرٍ من الأمور كأحياء الموتى والإتيان بالشمس من المشرق وشفاء المرضى، والفطرة تدل عليها، ومما جاء في الشرع قول الله تعالى ذكرُهُ: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾.
فنسبة شيئٍ اختص الله تعالى به نفسه من الخلق والملك والتدبير والأمر إلى المخلوق شرك في الربوبية والتشريع، ودعاء المخلوق في تدبير أمرٍ اختص الله تعالى به نفسه شرك في العبادة، وللمزيد حول الدعاء؛ مدونتي » إصلاح » أغلظ شركٍ في العبادة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس ٢٥ محرم ١٤٤٣هـ، ٢ سبتمبر ٢٠٢١م
المصادر
[١] رواه الترمذي (٣٠٩٥)، الألباني؛ إسناده صحيح مرسل، السلسلة الصحيحة (ج٧/ص٨٦٥).
[٢] تفسير الطبري (ج٢١/ص٢٥١)، تحقيق؛ أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ - ٢٠٠٠م.
[٣] تفسير السمعاني (ج٢/ص٣٧٢)، تحقيق؛ ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧م.
[٤] تفسير الطبري (ج٢١/ص٣٩٩)، الطبعة السابقة.
[٥] التحرير والتنوير (ج٢٤/ص٢٦)، الدار التونسية للنشر - تونس، ١٩٨٤هـ.
[٢] تفسير الطبري (ج٢١/ص٢٥١)، تحقيق؛ أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ - ٢٠٠٠م.
[٣] تفسير السمعاني (ج٢/ص٣٧٢)، تحقيق؛ ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧م.
[٤] تفسير الطبري (ج٢١/ص٣٩٩)، الطبعة السابقة.
[٥] التحرير والتنوير (ج٢٤/ص٢٦)، الدار التونسية للنشر - تونس، ١٩٨٤هـ.
![]() |
![]() |
---|
حفظك الله ورعاك يا شيخنا
ردحذفوإياك
حذف