تتحول الدولة إلى مدنية جبرية (دكتاتورية) بالتحكم في ثلاث، ولكن الخطأ في قراءة الواقع.
لا يستبعد أن يظن بعض الأخيار أن إقرار الآخرين على العلمانية مؤقت فعلاً، وأن من يحاصص ممن ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية سيمكن للإسلام، وأن تمكين العلمانيين هو في الابتعاد عن الاتفاق الإطاري.
ولو كانت السياسة تسير دائماً حسب المتفق عليه لصح أن الإقرار مؤقت وأن السلطة ستؤول إلى كل الموقعين.
ركائز السلطة خمسة، وهي؛ المال، ثم الاستخبارات وقياداتها، ثم الشوكة ورؤوسها لا سيما أهم شوكة ورؤسها (ضباط الجيش)، ثم الإعلام، ثم قيادات المجتمع المدني كالإدارات الأهلية والاتحادات المهنية والجماعات.
ومن يريد تحويل الدولة لمدنية بدل عسكرية من العلمانيين يسعى للسيطرة على الركائز الثلاث الأولى، وذلك لأن السيطرة على الباقية تبع للثلاث الأولى.
فلو تمكنت جهة ولو كانت مدنية من السيطرة على المال وقيادات الاستخبارات ورؤوس أهل الشوكة فإنها تتمكن من الدولة، وبهذا يتم فعلاً إبعاد الجيش تماماً من السلطة ومن القدرة على عزل الرؤساء والانقلاب على ما يسمى بالسلطة المدنية الجبرية (الديكتاتورية).
وأكثر الملوك عبر التاريخ مدنيون مع أهمية قوة البدن في الملوك رغم وجود السيوف قديماً والسلاح الناري حديثاً، فالقدرة على المصارعة مثلاً لابد منها مع وجود الآلات.
قال الله جل ثناؤه: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [١].
وقد تمكن المستعمرون عبر التاريخ البشري من السيطرة على أجزاء كبيرة من العالم رغم قلة عددهم.
وفي تونس تمكن قيس سعيد من الانقلاب على الأحزاب وهو مدني.
والمال أهم ركائز السلطة لأنه كما يقال عصب الحياة، وقد قدم الله تعالى جهاد المال على جهاد النفس في كتابه العزيز، ولا توجد قوة عسكرية من غير مال.
وهدف العلمانيين ومن يدعمهم هو تحكم حكومتهم الغير منتخبة في الجيش، وذلك بجعله تابعاً مالياً لوزارة المالية وجعل قيادته العليا مدنية جبرية، وبالتالي تعيين قادته العسكريين من قبل مدنيين جبريين يصرفون عليهم رواتبهم من وزارة المالية، وبالتالي التحكم الكامل في الجيش.
والخطورة تكمن في تزوير منظمات مدنية وهمية موقعة على الاتفاق الإطاري، وهذه المنظمات قد تكون تابعة لأحزاب غير موقعة أو لجهة علمانية واحدة بمساعدة الجهات الغربية الداعمة لهم.
وكنت أتوقع وجود أجسام وهمية تابعة لأحزاب سياسية أو جهة معدة للسيطرة على البلد قبل الإطلاع على الجهات الموقعة على الاتفاق الإطاري، وذلك بسبب أن هذا حدث في الموقعين على الوثيقة الدستورية عام ٢٠١٩م.
فقد كانت أكثر المنظمات المدنية الموقعة تابعة لأحزاب يسارية أو جهات علمانية، من أشهرها تجمع المهنيين.
ولوجود هذه المنظمات المدنية التابعة لجهات علمانية صغيرة لم يكن للأحزاب الكبيرة كحزب الأمة أثر في الحكومة قبل أن يعزلها البرهان في ٢٥ أكتوبر.
ومع وجود هذا التزوير طالب أحد الإخوة بمساواة الكتل الموقعة، ومع كل هذا يصدق بعض الإخوة أنه قرأ الواقع قراءة صحيحة.
ومن يظن أن قيادة الجيش لا تناور فإنه أغفل قراءة الماضي القريب، والجيش له مراكز دراسات استراتيجية، ولا أظنه غافل عن تزوير الموقعين.
والاتفاق الحالي أضعف من السابق وإجهاضه أيسر بكثير، لا سيما بعد تحييد لجان المقاومة واستغلال مغفلين فيها لتمرير أجندة معينة.
وإذا لم يجهض الجيش الاتفاق الحالي تبقى الخطورة في سيطرة العلمانيين على مفاصل الدولة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الأحد ٧ جمادى الأول ١٤٤٤هـ، ١٢ ديسمبر ٢٠٢٢م.
مصادر وملاحق
[١] [البقرة: ٢٤٧].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق