لا تنازل بالإقرار على العلمانية

مؤيدو إقرار العلمانيين وأشباههم على العلمانية يحتجون بالحفاظ على وحدة السودان، وهذه مجرد دعوى جدلية لتبرير المنكرات العظام، فلسنا بين خياري تشظي السودان أو إقرار الآخرين على دستور علماني ولو كان مؤقتاً.
ولو كان بإمكان المسلمين في تركيا حرب العلمانية من غير إقرار غيرهم عليها بمثل تكوين جماعة مطالبة سياسية غير حزبية على نحو الطريقة التشوقية؛ فإن ما فعلوه منكر عظيم لما سبق ولأن الضرورة تقدر بقدرها.
ومن أقر العلمانيين على العلمانية في تركيا عرفوا العلمانية بتعريف مختلف عن تعريفها المعلوم المشهور، ووضع السودان داخلياً يختلف عن وضع تركيا على أية حال.
وادعاء الاضطرار لا يرفع الإثم وإن أفتى المدعي علماء، فإن فتوى العالم تشبه قضاء القاضي كما قال ابن القيم رحمه الله، وفي الحديث؛ (فمن قضيت له بحق امريء مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها).
ومن يظن أن الموازنات الشرعية تقتضي مثل هذا التنازل لاتقاء شر أمريكا فهو جاهل بسياساتها.
فموازنات أمريكا الداخلية والخارجية والاقتصادية تمنعها من التدخل المباشر، ولذا فإنها لم تتمكن من القضاء على حكم البشير إلا بخيانة من الداخل بعد ثلاثين سنة.
وقد أمرت أمريكا صدام بتدمير آخر خمسة صواريخ عنده لتسهيل دخولهم، فدمرها ظناً منه أنهم سيتركوه.
وكم وعدت البشير برفع الحصار وأخلفت؟ بل إن عزله كان بسبب رضوخه لأمريكا بفصل الجنوب، فنقص عائدات النفط أضعف الاقتصاد وأثار الشعب.
وقد سمعت جورج بوش الابن وقتها يهدد البشير بتوقيع اتفاق نيفاشا قبل أشهر من توقيعه بينما كانوا يعدونه بفك الحصار تحت الطاولة.
وقد حضرت محاضرة في جامعة لينكشوبنج لخبير سياسي سويدي في شؤون السودان بعد فصل الجنوب بقليل؛ كان يتعجب من عدم قيام ثورة بعد الفصل، وقرأت هذا لخبير سياسي روسي، وقرأت مثله لمسؤول أمريكي أو بريطاني.
والأمور بدأت تنفلت أكثر من السابق من أمريكا والغرب بسبب الاقتصاد ثم ظهور روسيا مجدداً وتهديد الصين المرن، ولذا فإن أمريكا لم تحسم التهديد الخشن من كوريا الشمالية وكوبا.
وليس فيما سبق دعوة للتهور والدخول في صراع مع أمريكا، بل لابد من انتهاج سياسات خارجية متوازنة.
فصلة المحارب محرمة لغيرها، ولذا فإنها تجوز للاحتياج أو الاضطرار، وذلك حسب الحال، فقد كان الفتح للإسلام في صلح الحديبية.
وأما إخواننا في الدول المسلمة لا سيما الخليجية؛ فإن تشوقة السودان أفضل لهم من ديمقراطية الغرب، وذلك لأن الأحزاب السياسية علمانية وإسلامية تهدد أمنها كما تهدد أمننا، وخلاصنا منها فيه إسكات لأمريكا التي تطالب بتعددية سياسية فاعلة، لأن في التشوقة تعددية سياسية تكتلية لا تسعى لسلطة، وأمريكا تتظاهر بأنها مع اختيار السودانيين، وفي التشوقة اختيار حقيقي للسودانيين فيه مراعاة لتوافر شروط أهل الحل والعقد.
وعلاقة الأمر بدولة مسلمة أخرى قد لا يتعدى الوهم، ولا أستبعد أنه وهم من خائضي المعترك السياسي الذي يسمونه العمل السياسي أو المشاركة السياسية، وهذه المصطلحات يقصدون بها سعي جماعة من المسلمين للسلطة عبر انقلاب أو معترك سياسي، فربما يتوهم هؤلاء أن اتخاذ مواقف بعينها فيه إرضاء لدولة أخرى [١].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الأحد ٧ جمادى الأول ١٤٤٤هـ، ١٢ ديسمبر ٢٠٢٢م.

مصادر وملاحق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق