قتال المدني

ملخص؛ لا يقاتِل المدني إلا دفاعاً عن نفسه وماله وعرضه وعند عدم القدرة على التحيز أو عند الاحتياج وخشية فوات مصلحة.
الأصل في المدنيين أن يكتفوا بالدفاع عن أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
وذلك لما في مشاركتهم في القتال بدون تدريب على حمل السلاح وفنون القتال من إلقاء أنفسهم إلى التهلكة.
وعليهم بتدريب أنفسهم ليكون دفاعهم عن أنفسهم أبلغ.
وإذا قدَّر مدنيون أن صد متمردين عن أحيائهم السكنية مقدور عليه وأن الانتظار يفوِّت مصلحة صدهم جاز لهم صدهم.
ولكن هذا خلاف الأصل فحذار من التهور.
يدل على الجواز عند الاحتياج ما رواه مسلم وغيره من فعل سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، فإنه قاتل المشركين دون إذن فأثنى النبي ﷺ على فعله بقوله: (كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة) [١].
وذلك عندما أغار المشركون على ظهر رسول الله ﷺ (إبله) في المدينة فاستاقوها معهم، فتبعهم سلمة رضي الله عنه يرميهم بسهمه لوحده، وكلف قبل ذلك رجلاً اسمه رباح أن يخبر رسول الله ﷺ بأمرهم، فما زال بهم حتى تركوا كل الإبل، فترك الإبل خلفه وظل يتبعهم حتى لحقه فوارس رسول الله ﷺ.
قال ابن قدامة رحمه الله: (ولأنَّهم إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين فوجب على الجميع فلم يجز لأحد التخلف عنه‏، فإذا ثبت هذا فإِنَّهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكول إليه وهو أعلم بكثرة العدو وقِلَّتهم‏،‏ ومكامن العدو وكيدهم فينبغي أن يُرجع إلى رأيه لأنَّه أحوط للمسلمين إلا أن يتعذَّر استئذانه لمفاجأة عدوِّهم لهم‏،‏ فلا يجب استئذانه، لأنَّ المصلحة تتعيَّن في قتالهم والخروج إليه لتعيُّن الفساد في تركهم‏، ولذلك لما أغار الكفَّار على لقاح النبي ﷺ [٢] فصادفهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه خارجاً من المدينة فتبعهم فقاتلهم‏، من غير إِذن فمدحه النبي ﷺ وقال‏:‏ خير رجالتنا سلمة بن الأكوع وأعطاه سهم فارس وراجل) [٣].
وأما الدفاع عن النفس والمال والعرض، فلا يشترط له شرط، وقد نص الفقهاء على ذلك.
بل يجب على الإنسان أن يدافع عن عرضه ونسائه وأطفاله ولو بماء أو عصاً أو حجر.
وأذكر أنه عندما اعتدى المتطرف النصراني السفاح على مسجد في نيوزيلندا كتبتُ أبين خطأ من أراد الهروب من الشباب تاركاً خلفه العجزة والأطفال فقُتل أثناء هروبه، وقلت كان واجبهم مقاتلة هذا الجبان ولو برشه بماء.
ثم حدث اعتداء بعدها على مسجد في النرويج من شاب في عمر العشرين لو أذكر جيداً، فتصدى له سبعيني أفغاني، ولم يزد على أن فقأ عينه بأصبعه، فولى السفاح المتطرف هارباً رغم أنه كان يحمل السلاح وكان الأفغاني أعزلاً، ونجى الله تعالى بفضله ثم هذا السبعيني مسلمي ذاك المسجد من مهلكة.
والتالي هو مقال سفاح نيوزيلندا؛

سفاح نيوزيلندا ودفع الصائل

قال ابن تيمية رحمه الله: (فالعدوُّ الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم) [٤].
عندما يقترب إنسان من دجاجة معها صغارها فإنها تننتفش وتهجم عليه غير هيابة ولا وجلة، وترى الرجل القوي الشديد يرجع القهقرى خوفاً على عينيه من دجاجة.
يجب دفع الصائل الذي يفسد الدين والدنيا بأي شيء اتفق، ولو بحصاة أو ماء على عينيه، ولا يجوز الاستسلام في حال غلبة الظن بضرر أعظم.
وليس من المروءة الهروب في مثل هذه الحالة وترك العجزة من الكبار والنساء والصبيان.
وإنما يسوغ الفرار إذا أمكن التحرز بالعجزة والنساء والصبيان إلى مكان آمن أو للكر بعد الفر.
والشجاع هو من يغالب الخوف والوجل وهيبة الموت ويقتحم المهالك دفاعاً عن نفسه وعن المسلمين، وعندما يدافع الصائل واحد من المعتدى عليهم فإن في ذلك تشجيعاً لمن حوله.
ومثل هذا السفاح المجرم أجبن من أن يواجه الجموع، لأن الحق مرعب للظالم، أسأل الله تعالى أن يرينا فيه عجائب قدرته وأن يجعله عبرة لكل معتبر.
وأسأل الله تعالى أن يتقبل القتلى من المسلمين في الشهداء وأن يلهم ذويهم الصبر وحسن العزاء.
وهذا لا يعني أن كل جهاد دفع لا يشترط له شرط كما ذهب لذلك الغلاة.
والله تعالى أعلم.
انتهي مقال سفاح نيوزيلندا.
ولا يكفي تدريب بدون خبرة ومعرفة بفنون القتال.
فقتال البغاة من غير إذن وتدريب لا يجوز في الأصل، ويجوز عند الاحتياج وفوات المصلحة بانتظار الإذن.
والاحتياج افتعال من الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها كالضرورة.
ولا يجوز تحريض القبائل درءاً للفتنة وحفاظاً على شرعية القضية وقوميتها.
واستنفار الجيش المدنيين إذا صح ليس ضعف قدرات، لأنه في حدود دفاع المدني عن نفسه وحيه السكني وبإشراف خبراء، وليس في البيان الرسمي تحريض القبائل ولا تعميم المشاركة في القتال.

تعريف المدني شرعاً

سئلت عن تعريف المدني فأجبت بالتالي؛
مصطلح المدني حديث، ولكن حقيقة المسألة متصورة منذ القرن الأول.
فمثلاً قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ما معناه أن القتال على الجند أوجب للعهد والرزق (الراتب) معناه أن وجوبه على المدني أقل درجة، فالجندي عاهد الله ثم قيادته والناس على الدفاع عن الدين والأرض والناس وممتلكاتهم.
وأول من أعطى العطايا للجند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان المقاتلون يعطون من الغنيمة.
وكان كل الناس مقاتلين في عهد الرسالة، ولكن النبي ﷺ ما كان يستنفر كل المقاتلين في كل حال.
ولي مبحث حول تحريم قتل المدنيين من الكفار بعنوان؛ استهداف المدنيين والمعاملة بالمثل.
والكلام ميسر دون تكلف، والحد (الجامع المانع) جيد للمختصين لا سيما النصوص القانونية لأنه أضبط، ولكنه لا يوجد إلا في الأذهان، وورد في السنة التعريف بالمثال، والقرآن ميسر للذكر وللفهم، بلغة الناس وليس بلغة المختصين، وكان البيان النبوي ميسراً، كالبيان بالعمل في الوضوء والصلاة والنسك، (من توضأ نحو وضوئي هذا)، (صلوا كما رأيتموني أصلي)، (خذوا عني مناسككم).

جهاد المتمردين بالنفس من مشابهات الواجبات

ملخص؛ جهاد المتمردين مشابه لفرض العين، ومشابهات الواجبات لا تجب على الأعيان، وإنما تجب على الأقرب فالأقرب.
الجهاد فرض كفاية، وفرض الكفاية هو ما يسقط بقيام بعض به عن الآخرين.
واجبات الإسلام العينية في باب العبادات لا تتعدى أركان الإسلام الخمسة على الأرجح.
وما سوى ذلك من الواجبات العينية إما أنها تتعلق بأحكام المعاملات مثل النفقة على الأرحام، أو أنها تبع لغيرها، كطلب العلم العيني، وكوجوب حضور الجمعة والجماعة، وكوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأدلة على أن الواجبات التعبدية الشعائرية العينية لا تتعدى أركان الإسلام الخمسة كثيرة، منها؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ (أن أعرابياً جاء إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا شيئاً أبداً، ولا أنقص منه، فلما ولى قال النبي ﷺ: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا)، متفق عليه واللفظ لمسلم [٥].
 فالجهاد فرض كفاية.
وفرض الكفاية هو ما يسقط وجوبه بقيام عدد كاف به عن الآخرين.
ولأن الكفاية لم تكتمل في جهاد المتمردين بالنفس في العاصمة لكثرة عددهم، فهو من المشابهات التي تشبه فرض العين  [٦].
ومشابهات الواجبات لا تجب على كل الأعيان لما في ذلك من تعطيل المشابهات الأخرى، وإنما تجب على الأقرب فالأقرب من جميع الجوانب كالجندية والقدرة الجبلية والعمر والاستعداد والمكان. 
ووجود مشابهات الواجبات أكثره بسبب عدم حصول الكفاية، وما أكثر النقص في أداء فروض الكفايات!
فمن أمثلة مشابهات فروض الأعيان طلب العلم الشرعي الكفائي، لأن الكفاية لم تحدث، فالمسلمون بحاجة إلى طالب علم كبير للإفتاء في كل مسجد، فالمفتي بحاجة إلى معرفة حال المستفتي وليس فقط حال البلد.
فهذا لا يعني أن طلب العلم الشرعي الكفائي واجب على كل مسلم، فثمة واجبات كفائية أخرى لم تحصل الكفاية فيها.
ومن الناس من يحسن غير العلم من الكفائيات أكثر، فيجب أن يسد كل مسلم ما يليه من ثغرات متعلقة بفروض الكفايات.
والجهاد بالنفس يجب على الجند أكثر من غيرهم بسبب العهد والرزق (الراتب)، قاله ابن تيمية رحمه الله.
فالجندي عاهد الله ثم قيادته والناس على الدفاع عن الدين والأرض والناس وأعراضهم وممتلكاتهم.
وأول من أعطى العطايا للجند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان المقاتلون يعطون من الغنيمة.
وكان كل الناس مقاتلين في عهد الرسالة، ولكن النبي ﷺ ما كان يستنفر كل المقاتلين في كل حال.
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله ما يُستخرج منه أن فعل المشابهات التي تُشبه الواجب آكد من ترك الشبهات التي تشبه الحرام، وذلك لأنه حقق أن جنس فعل الواجبات أهم من جنس ترك المحرمات.
ولأنه حقق أن الورع المستحب والواجب هو ترك ما يُخشى أن يكون سبباً للذم والعقاب في الآخرة، وأن العقاب يترتب على ترك الواجب كما يترتب على فعل المحرم.
فنحن في سفينة، إن تركنا بعضنا يخرق فيها خرقاً ولو كان من نصيبه هلكنا جميعاً، وإن أخذنا على يده نجونا جميعاً.
وأغلب القتال في زماننا عن طريق الآلات، فيجب اعتبار الحال، ومن يعتمد على مجرد النقل دون اعتبار الحال يفسد أكثر مما يصلح.
والأصل في أحكام الجهاد أنها مصالح مرسلة إلا لنص، ولذا يكثر فيها اختلاف الفتوى باختلاف الأحوال.
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى: (ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضرُّ ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان) [٧].
وقال في باب تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيّات والعوائد: (هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أَوجب من الحرج، والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه، ما يعلم أنَّ الشريعة الباهرة، التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به:
فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم، ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها:
فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل.
فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله ﷺ) [٨].
ومن لم يستطع القتال بنفسه وماله، وجب عليه الدفاع عن البلد بدعائه وكلمته ونحو ذلك.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م

مصادر وملاحق

[١] صحيح مسلم (١٨٠٧).
[٢] اللقاح هي النوق المرضعات.
[٣] المغني (ج١٣/ص٣٣-٣٤).
[٤] الفتاوى الكبرى (ج٥\ص٥٣٨).
[٥] صحيح البخاري (١٣٩٧) وصحيح مسلم (١٤).
[٦] الواجبات العينية ومُشابهاتها.
[٧] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج١/ص٥٢)، تحقيق؛ مشهور، دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، ١٤٣٣هـ.
[٨] إعلام الموقعين عن رب العالمين (ج٤/ص٣٣٧)، الطبعة السابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق