ملخص؛ مما يرجى بعد الحرب؛ عودة موارد لخزينتنا كالذهب والمال المهدر على جيش مواز، وتوحدنا، وعلاقات متوازنة.
ما من مصيبة إلا وفيها خير في طياتها، ومما في مصيبة الحرب هذه من خير توحيد الناس وما فيها من عظات.
وما تسببت فيه الحرب من دمار اقتصادي وتكاليف باهظة يمكن أن يعوض بعودة مناجم الذهب وغيرها من الموارد للخزينة العامة، وكانت فوائد الشركات الأجنبية منها أكثر.
هذا إضافة لوقف إهدار المال على قوات موازية للجيش الوطني، ومصاريف هذه القوات تقدر بمليارات الدولارات.
ولكن هذا لن يتم إلا بالوحدة الوطنية المبنية على الدين ونبذ التفرق والتحزب.
والأحزاب السودانية هي وراء كل انقلاب، وكل تمرد، وهي التي سعت لتسييس الجيش، وهي التي أضعفت الوطنية واستنجدت بالأجنبي، وهي سبب عدم الاستقرار.
ولكن لا ينكر أن في الأحزاب رجال وأن لها دور في استقلال السودان والحفاظ عليه وعلى هويته، فللاستفادة من طاقة شباب الأحزاب وحكمة شيوخها يمكن تحويلها إلى جماعات نصح لا تسعى لسلطة.
ولابد بعد الحرب وأثناءها من انتهاج سياسة خارجية متوازنة وفق قدراتنا ومصالحنا، سياسة ليس فيها تهور ولا خضوع واستسلام.
ومع أن حكومة الإنقاذ أخطأت في بدايات عهدها بسياسة خارجية متهورة، إلا أن سبب سقوطها هو خضوعها للإملاءات الخارجية لا العكس.
فنقص عائدات النفط بسبب انفصال الجنوب أضعف الاقتصاد وأثار الناس على عمر البشير، والثورات تحدث عادة مع تأزم الأوضاع الاقتصادية.
ولم يكن ضعف الاقتصاد في أواخر سنوات الإنقاذ بسبب الحصار الغربي كما تدعي الأحزاب التي عارضت الإنقاذ.
ومع أن البشير كان يصرح بأن اتفاق نيفاشا تم بإرادة سودانية إلا أنه عاد فناقض تصريحه هذا في نهايات عهده، فقد عد فك أمريكا الجزئي للحصار من نجاحات دبلوماسية حكومته، ثم عاد فسخط وتحدث عن إخلاف أمريكا وعدها مرات كثيرة ذكر منها إخلافها وعدها بعد تحقيق اتفاق سلام الجنوب.
وقد سمعت جورج بوش الابن في البي بي سي يهدد البشير ويأمر بتوقيع اتفاق نيفاشا قبل نهاية تلك السنة التي تم في آخرها توقيع اتفاق نيفاشا، بينما كان يعده بفك الحصار تحت الطاولة.
وقد ظن البشير أنه يتقي شر أمريكا بفصل الجنوب، بينما خططت أمريكا لفصل الجنوب لإضعاف الاقتصاد وإثارة الناس عليه.
وقد حضرت محاضرة في جامعة لينكشوبنج لخبير سياسي سويدي في شؤون السودان بعد فصل الجنوب بقليل؛ كان يتعجب من عدم قيام ثورة بعد الفصل، وقرأت هذا لخبير سياسي روسي، وقرأت مثله لمسؤول أمريكي أو بريطاني.
وعداء أمريكا للسودان لا يتعلق ضرورةً بحزب أو شخص أو نهج، يدل على ذلك موقفهم من حكومة الوثيقة الدستورية، وموقفهم من علمانيين كصدام وبشار والقذافي والصين وكوريا الشمالية وكوبا وروسيا وغيرها من البلدان.
والاستسلام لأمريكا والغرب لن يحل لنا مشكلة بل يعقد مشاكلنا.
وقد أمرت أمريكا صدام بتدمير آخر خمسة صواريخ عنده قبل غزوهم العراق لتسهيل احتلاله، فدمر صدام الصواريخ الخمسة ظناً منه أنهم سيتركوه.
وكم وعدت أمريكا البشير برفع الحصار وأخلفت؟
ولكن مع عدم الاستسلام لابد من النأي عن التهور والدخول في صراع مع أمريكا والغرب، فقد كانت الأزمات الاقتصادية في بدايات الإنقاذ بسبب الحصار الغربي الجائر.
ولكن لا ينبغي أن ننسى أن حكم الإنقاذ بدأ مع بدايات الأحادية القطبية وتفكك الاتحاد السوفيتي.
فالأمور بدأت تنفلت أكثر من السابق من أمريكا بسبب النمو الاقتصادي لعدد من الدول أبرزها الصين والهند، وبعد ظهور روسيا مجدداً كقوة عسكرية بعد استعادة عافيتها الاقتصادية وانتصارها في حرب سوريا.
ولتغير النظام التركي ونمو تركيا الاقتصادي أثر على الأحداث وتطوراتها في المنطقة.
فلابد من انتهاج سياسات خارجية متوازنة تراعى فيها مصالحنا العليا مع اعتبار أن مصالح دول العالم تتلاقى وتتقاطع وتتضارب.
وصلة المحارب محرمة لغيرها، ولذا فإنها تجوز للاحتياج أو الاضطرار، وذلك حسب الحال، فقد كان الفتح للإسلام في صلح الحديبية.
وقبل هذا وذاك يجب علينا أن نوفي بعهد الله وعهد رسوله ﷺ بالتمسك بديننا كما يرضاه الله تعالى من غير تحريف لمعاني النصوص، وذلك بتحقيق التوحيد الخالص واتباع السنة.
قال رسول الله ﷺ: (ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله؛ إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم)، صححه الألباني رحمه الله تعالى [١].
مقال "مقترحات لحل الأزمة السودانية" متعلق بهذا الموضوع.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الأربعاء ١٨ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٧ يونيو ٢٠٢٣م
مصادر وملاحق
[١] فتوى مفرغة من درس المنتقى من أخبار سيد المرسلين بتاريخ ١٢ شوال ١٤٣٢ هجري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق