تأييد جيشنا ليس لأجل أشخاص

تأييد جيشنا ليس لأجل شخص أو سلطة، ولا  يخالف فتوى الإمام مالك بترك قتال الفئة الباغية خلف الإمام الجائر.
وقد صرح الإمام مالك بعلة فتواه، وهي عدم تعدي الضرر إلى غير المتقاتلين الظالمين، فقال: (فدعه ينتقم الله من ظالم بمثله ثم ينتقم من كليهما).
روى ابن القاسم عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: (إذا خرج على الإمام العدل خارج وجب الدفع عنه، مثل عمر بن عبد العزيز، فأما غيره فدعه ينتقم الله من ظالم بمثله ثم ينتقم من كليهما) [١].
فليس من الفقه في شيء تنزيل كلام الإمام مالك رحمه الله على بغاة ضررهم أشمل وأعظم.
وليس في كلام الإمام مالك رحمه الله مستند لمن يقول بجواز الخروج على أئمة الجور، فقد وصف الخارج على الحاكم الظالم بأنه ظالم مثله، وقد اتفق العلماء على تحريم الخروج على الحاكم الظالم إذا كان مسلماً مقيماً لأصل الدين؛ الشهادتين والصلاة [٢].
وإذا كان حفظ البيضة يوجب قتال البغاة، فكيف بمن غدروا واصطفوا في صف علمانيين وعملاء؟
وإذا كان الصراع السياسي مفسد، فكيف بالصراع العسكري؟
وفي الحديث؛ (إذا بُويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، صحيح مسلم (١٨٥٣).
فمجرد وجود رأسين بشوكتين خطر عظيم، وهل يقبل عاقل وجود جيشين مستقلين في دولة واحدة؟
فقائد الدعم السريع هو نائب من ينازعه الأمر، والوضع الصحيح هو أن يكون هو وقواته تحت إمرة القيادة العامة للقوات المسلحة.
ومن الأضرار الملاحظة؛ استغلال الأجانب هذا الحال لتمرير أجندتهم عبر عملائهم ومرضى السلطة.
وقد زاد خطر قادة المتمردين بترويعهم الآمنين بالقتال داخل المدن.
والقول الراجح في مسألة القتال مع الحاكم الظالم هو وجوب القتال معه في الغالب، لأن ضرر الخروج متعد للإسلام والمسلمين في الغالب.
ويترجح قول الإمام مالك رحمه الله تعالى فيما إذا لم يتعدى الضرر إلى غير الظالمين أو لم يكن في القتال منفعة استتباب الأمن، كما لو تساوى طرفي القتال في الغدر والقوة.
و "القتال مع الحاكم الظالم" لا تعني القتال لأجله، ويسمى الخارجون عليه بغاة لبغيهم على أنفسهم بمخالفة السنة وعلى الناس بآثار الحرب عليهم، وليس لبغيهم على الحاكم الجائر.
ونصر الفئة المعتدى عليها واجب على كل معتد، ولو كانت المعتدى عليها ظالمة لغير المعتدي، وذلك لعموم قول الله تعالى؛ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ۹].
وتفسير البغي في الآية بحديث؛ (ويح عمار تقتله الفئة الباغية) هو من قبيل التفسير بالمثال، فالبغي عام.
وكل فتنة وقعت بين المسلمين قديماً وحديثاً تسببت في تدخل الأجانب، والأجنبي ولو كان مسلماً يقدم مصالح وطنه وشعبه.

جدلية من بدأ الحرب

كل اتفاق ملزم لطرفيه ولو كان مجحفاً لأحدهما، ولا يحل الغدر في شرعنا وفي كل الأعراف البشرية.
فإذا كان العهد مطلقاً (غير مؤقت) أو كان بعيد الأجل، فالسبيل للخلاص منه ليس بالغدر، وإنما بإعلام الطرف الآخر بأن العهد لاغ، وهذا يعرف في العلاقات الدولية المعاصرة بقطع العلاقات الدبلوماسية.
حميدتي كان نائباً لرئيس مجلس السيادة، وهو بنفسه يعلم أن قواته أنشئت لمساندة الجيش وأنها تحت إمرته، ويعرف خطر وجود جيشين بقيادتين مستقلتين.
ولذا فإن تصرفات الدعم السريع تعد علامات غدر، ومن ذلك التوسع في قواته وآلياته، وتمركزه في مواقع حساسة، ومماطلته في الدمج، واحتلاله مطار مروي.
والمشروع عند ظهور علامات الغدر من أحد طرفي الاتفاق إعلامه بإلغاء العهد قبل مباغتته، كما نص على ذلك أهل العلم بدليل قول الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ [الأنفال: ٥۸].
ويعرف نبذ العهد بسبب خوف الخيانة (ظهور أماراتها) في العلاقات الدولية المعاصرة بقطع العلاقات الدبلوماسية.
وما فعله الجيش هو إعلان دق ناقوس الخطر واعتبار الدعم السريع قواتاً متمردة.
وبهذا الإعلان يعتبر العهد لاغيأ، وهو نبذ شرعي للعهد وبراءة من الغدر، فلو افترضنا جدلاً أن الجيش هو من أطلق الرصاصة الأولى، فإنه ليس بغادر.
وأجهل الناس بالعلوم العسكرية يعرف أن خطوات الدعم السريع كانت نذر تمرد وانقلاب، وهذه التحركات المريبة يعيدها بعض إلى سنة ٢٠١٧م.
ولا شك أن التفاوض مقدم، ولكن هل يجدي التفاوض لوحده مع مماطل غدار مخادع؟
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م

مصادر وملاحق

[١] أحكام القرآن (ج٤/ص١٥٣-١٥٤)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة.
[٢] شرعية السلاطين برعاية أصل الدين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق