تعدد الرايات سبب الفشل

لنتعظ بما حدث في سوريا وأفغانستان بسبب تعدد الرايات سبب الفشل وذريعة تسلّل الغلاة وتدخّل الأجانب.
أثناء جهاد سوريا؛ قلت في خطبة جمعة في مدينة لينكشوبنج السويديّة؛ دعم الشعب السوري لدفع الأضر، ولن يؤدي الجهاد في سوريا إلى إقامة حكم إسلامي فيها بسبب تعدد الرايات.
ويعد الحكم إسلامياً إذا كان يرعى أصل الدين (الشهادتين والصلاة) باعتقاده أنه أولى واجباته ولو تظاهر بأنه يرعاه خدمة للمواطنين فقط اتقاءً لشر أعداء [١].
﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١].
فقال لي شاب مصري بعد الخطبة ما مفاده أنه يرى البشريات عظيمة، وكان وقتها في الثلاثينيات من عمره، فقلت له؛ انتظر سنوات ولو بقينا أحياءً وقتها فسترى صحة ما أقول، ولو شهدت زمن الجهاد الأفغاني مثلي مع الفهم الصحيح لفهمت كلامي دون انتظار.
بعد سنوات على الخطبة هاتفني الشاب وأنا في مدينة لوند في السويد، فقال لي؛ صدق كلامك شيخنا.
وفي ذاك الوقت كثر إخواننا السوريون معنا في السويد، واتفقت كلمتهم على أن سبب هزيمتهم هو تعدد راياتهم.
ولم أكن أحسب وقتها أن يستعيد بشار الأسد قوته إلى هذا الحد، فكنت فقط أظن أن الفصائل قد تقتتل فيما بينها بعد تحرير دمشق كما حدث في أفغانستان بعد تحرير كابل.
وقد وقع الاقتتال بين فصائل في سوريا قبل تحرير دمشق.
وقد كان لتمكن الغلاة من بعض الفصائل في سوريا أثر عظيم في الهزيمة [٢].
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف: ٤].
وقال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٤٦].
رأيت مقطعاً مرئياً باسم "جبهة المقاومة الشعبية السودانية"، ومنشوراً باسم "حركة المقاومة لإسناد القوات المسلحة (قوس)".
هذه الحركات هي ذريعة الغلاة للتسلّل والأجانب للتدخّل.
فيجب أن يكون العمل العسكري تحت إمرة الجيش وببيعة قادته.
فتعدد الرايات يؤدي إلى الفتنة والفشل والهزيمة كما حدث في سوريا وأفغانستان.
وقد بدأت كيانات عسكرية في سوريا بتسعة أشخاص فقط ثم توسعت بالغنائم والدعم الخارجي من الدول المجاورة والبعيدة، وكانت كل دولة تدعم فصيلاً من الفصائل.
وقد تبدأ هذه الأعمال بصدق وإخلاص ثم يطمع قادتها في السلطة بعد تحقيق انتصارات، وقد تسوّل لهم نفوسهم وشياطين الإنس والجن أنّهم أحق بالقيادة بسبب ما بذلوا من تضحيات، وقد يستغلهم الأعداء.
فالأجنبي يستغل تعدد الرايات لمصالحه ويستغل تنافس القيادات المتعددة على السلطة والثروة.
وقد تبدأ هذه الأعمال منذ انطلاقها عبر اتصالات استخبارية خارجية تمدها بالمعلومات الاستخبارية والمال والعتاد.
فيجب على الجيش حسم مثل هذه الظواهر باستيعابها في القوات النظامية بحيث تكون تحت إشرافها المباشر، فإذا رفضت اعتبرها قواتٍ متمردة.
وعلى الشباب الحذر من الانضواء تحت أي راية غير راية القوات المسلحة.
فلابد أن يكون كل عمل عسكري تحت إمرة الجيش إلا عند الاحتياج والتعذر.
والحاجة تقدر بقدرها كالضرورة، فلابد في كل حال أن يكون القتال تحت رايةٍ واحدة وقيادة عامّة موحدة، وبيعة لتلك القيادة وفروعها ومن ينوب عنها.
قال ابن قدامة رحمه الله: (ولأنَّهم إذا جاء العدو صار الجهاد عليهم فرض عين فوجب على الجميع فلم يجز لأحد التخلف عنه، فإذا ثبت هذا فإِنَّهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكول إليه وهو أعلم بكثرة العدو وقِلَّتهم، ومكامن العدو وكيدهم.
فينبغي أن يُرجع إلى رأيه لأنَّه أحوط للمسلمين إلا أن يتعذَّر استئذانه لمفاجأة عدوِّهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأنَّ المصلحة تتعيَّن في قتالهم والخروج إليه لتعيُّن الفساد في تركهم .
ولذلك لما أغار الكفَّار على لقاح النبي ﷺ [٣] فصادفهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه خارجاً من المدينة فتبعهم فقاتلهم، من غير إِذن فمدحه النبي ﷺ وقال: خير رجالتنا سلمة بن الأكوع وأعطاه سهم فارس وراجل) [٤].
وتعدد الحركات المسلحة أخطر من التعدد الحزبي السياسي.
وما تمرد الدعم السريع منا ببعيد.
ولخطورة تعدد الرايات ورد في الحديث أنّ النبي ﷺ قال: (إذا بُويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما) [٥].
أسأل الله تعالى أن يرفع عن البلاد البلاء والفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الجمعة ٥ ذوالحجة ١٤٤٤هـ، ٢٣ يونيو ٢٠٢٣م

مصادر وملاحق

[١] شرعية السلاطين برعاية أصل الدين.
[٢] داعش.
[٣] اللقاح هي النوق المرضعات.
[٤] المغني (ج١٣/ص٣٣-٣٤).
[٥] صحيح مسلم (١٨٥٣).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق