صلح البغاة، ولا للحرب، ورؤيا مبشرة

ملخص؛ صلح البغاة، ولا للحرب، ورؤيا مبشرة، والصلح الاضطراري يقرره أهل الحل والعقد، ويلزم مساعدة المتضررين.

صلح البغاة

الأصل أن الصلح لا يكون إلا بعد إرغام البغاة على الرجوع إلى أمر الله.
فما فائدة قتال الفئة الباغية إذا لم تكسر شوكتها وترغم على أن تفيء إلى أمر الله؟
قال الله تعالى؛ ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ۹].
ولكل أصل استثناء، فيجوز حال الاضطرار الصلح بعد إضعاف البغاة بما يضمن عدم تكرار الغدر وقبول الدمج السريع.
وقرار الصلح والحرب يقرره قادة الجيش بالتشاور مع ممثلي الأمة (أهل الحل والعقد) من العلماء والحكماء والنظار.
ولا يخفى على القيادة ذات الخبرة الطويلة في الحروب أن الصلح لا يكون إلا بعد كسر قوة المعتدي الباغي، ومن خبر الحرب والسلم من العساكر يستطيع تقدير المصالح والمفاسد أكثر من المدنيين.
و "لا للحرب" كلمة حق، ويجب أن نكون جميعاً معها.
ولكن كلمة الحق إذا كانت في غير موضعها أو من غير صاحبها، فإن المراد بها باطل.
فإذا جاءت كلمة الحق "لا للحرب" ممن أوقد نارها، فإن المراد بها باطل، فقد يكون مراده إنقاذ المتمردين، وهذا قد يؤدي إلى تأجيل الحرب لتكون أعنف وأشمل.
من يريد إخماد الفتنة هو من كان يسعى حقاً لدفعها، والله معينه بإطفاء نار الحرب قبل اشتعالها أو بعدها.
نعم لا للحرب، فيجب على قائد البغي والتمرد وأتباعه الذين يقاتلون لأجل ملك آل دقلوا أن يقلعوا عن إيذاء أنفسهم وإيذاء شعبنا الكريم بحربهم وتمردهم.
فوقوف شعبنا المسلم مع قواته المسلحة الباسلة ليس حباً في الحرب والدماء كما يروج بعض.
فالمسلم الذي ليس فيه تهور وتطرف يكره الحرب، والأصل في عامة المسلمين الاعتدال والتوسط، لا سيما السودانيين الذين عرفوا بالسلم والمسامحة.
فنعم، لا للحرب دون اضطرار، فهي كاضطرار الطبيب لقطع يد المريض لحماية سائر البدن، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (إن رسول الله ﷺ في بعض أيامه التي لقي فيها، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس خطيباً فقال: أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، ثم قال: اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)، صحيح البخاري (٢٩٦٥).
وهل يقبل عاقل بجيشين في بلد؟ وكيف يمكن حل هذه المعضلة وحميدتي كان يماطل في الدمج ويتوسع في تقوية قواته؟ فكان لابد من تفكيك قوته أو إضعافها لحمله على بعض الشروط إن لم يكن بالمقدور حمله على جميعها.
قال الله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦].
ويجب السعي في مساعدة المتضررين بممرات آمنة، ويجب على القادر السعي في حث المنظمات الإغاثية لمساعدة المتضررين والمرضى ولو عبر مساعدات إنسانية متنقلة ومستشفيات متنقلة (هيلوكبترات إسعاف وعربات إسعاف).
والدول الخارجية يمكن أن تقوم بدور إيجابي، فلبعضها مصالح مشتركة معنا.
ولكن الوساطة الوطنية أدعى لاتفاق السودانيين عليها، فالسودانيون معروفون بالتواضع مع عزة النفس وإباء الاحتقار.
ولا شك أننا أولى برعاية مصالحنا من غيرنا.
أسأل الله تعالى أن يعجل بإطفاء نار الحرب التي أوقدها المفسدون في الأرض.
قال الله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: ٦٤].

تعبير ثقة ولا أعرف الرائي

الرائي: السلام عليكم ورحمة الله شيخنا الكريم، أسعد الله أوقاتك بكل خير.
رأيت كأن لقاء صلح عقد بين البرهان وحميدتي، وأن حميدتي جاء إلى مكان الصلح بثوب وهو يعرج في المشي وعليه آثار التعب، والبرهان جاء بزيه العسكري، ومحل الاجتماع كان بحراسة عسكري من الجيش.
وأنا ذهبت لأتأكد من وجود حميدتي فعلاً، فلما جاء البرهان رآني فناداني للدخول معهم فأبيت، ثم أصر علي أن أدخل، وكان قد قال: ( تعال يا شيخ اقرا لينا حاجة من القرآن وأمشي ).
فصعدنا للطابق العلوي، فدخل البرهان، ثم أراد حميدتي أن يدخل، فلما كان في الباب رجع قليلاً، ثم دخلت أنا، ثم دخل حميدتي، ( جلسنا نحن الثلاثة فبدأت وقرأت عليهم قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم....الآيات).
ثم قمنا، فلما قمنا ضربت على كتف حميدتي وقلت له اتق الله وضع سلاحك فإنك عسكري وقد أقسمت أن تكون تحت طاعة البرهان وولايته.
ثم ضربت على كتف البرهان وقلت له اتق الله في ما ولاك الله من أمر المسلمين.
هل يظهر لكم فيها شيء، بارك الله فيكم.
المعبر: تعبيرها ... إنه صلح يقع بين الجيش والدعم السريع ... بعد ضعف وانكسار لحميدتي ... وعودة الشوكة إلى برهان وظهور دستور إسلامي في المشهد وعودة ماتبقى من الدعم إلى الجيش ويستتب الأمر لبرهان بقوة.

رأي، ولا يبنى على الرؤيا حكم

علق أحد الإخوة فذكر تفصيلات متعلقة بتأويل الرؤيا ثم قال: "وهذا إن دل فإنما يدل على هزيمة حميدتي واستسلامه ولا يدل على الصلح".
فقلتُ: لست معبراً، ولكن أعرف بعض أصول التعبير.
ففي نظري القاصر؛ أتفق معه فيما قال، ولا يوجد تعارض بين استسلام البغاة وصلحهم.
وقد أمر الله بالإصلاح بين الطائفتين بعد مقاتلة الباغية ورجوعها إلى أمره، وليس لقتالها معنىً غير كسر شوكتها لإرغامها للرجوع إلى أمر الله.
﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: ۹].
والرؤى مبشرات، ولا يعتمد عليها في الخطط، فهي جزء من الوحي، والوحي انقطع بموت النبي ﷺ.
فالتخطيط حسب المنظور المقدور عليه خلافاً للرجاء والدعاء.
وفرق بين غير الممكن والمستحيل وفق سنن الله الكونية، فلا يجوز طلب المستحيل كعودة يوم مضى بأحداثه خلافاً لغير الممكن.
فالدعاء لا يُحد بالممكن عادة، ومثال ذلك؛ دعاء زكريا عليه السلام ربه أن يهبه غلاماً وقد بلغه الكبر وكانت امرأته عاقر.
وأما التخطيط فلابد أن يكون حسب المنظور المقدور عليه؛ وقد اختفى النبي ﷺ في الغار في الهجرة رغم أنه رأى في بدايتها أن الله تعالى أعمى القوم عن رؤيته.
والتخطيط لا يكون بالأماني مع حسن الرجاء والفأل.
ولا يقبل الله دعاء من دعاه لرفع الجوع عنه وهو قادر على الأكل، وقد أطعم الله وسقى بعض من تحت الأنقاض بعد الزلازل على خلاف سننه الكونية.
فلابد من السعي حسب المنظور المقدور عليه مع تمام التوكل على الله وحسن التضرع إليه.
﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٤٣].
فالرؤى الصالحة ليست وحياً كاملاً، بل كان الموحى إليه يخطط حسب المنظور المقدور عليه لتعليم أمته.
ولكن الرؤى الصالحة من المبشرات.
قال رسول الله ﷺ: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة)، رواه البخاري.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الجمعة ٦ ذوالقعدة ١٤٤٤هـ، ٢٦ مايو ٢٠٢٣م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق