كتبت هذا المقال بتاريح الإثنين ١٤ جمادى الثاني ١٤٤٦هـ، ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤م.
بعد مرور أشهر من حرب التمرّد على الأمّة السودانيّة تبيّن أنّ كثيراً ممّن تجرّأ على الدعوة للحياد كان مستهبلاً متواطئاً، فلا للغفلة، ولا بأس بالعفو.
استهبل فصيحةٌ، وتعني ادّعى أنّه أهبل وهو الأحمق والمجنون والمغفّل، فأقلّها هو ادّعاء الغفلة.
ممّا كتبت في بداية حرب التمرّد؛ "يصحّ حياد المكره والجاهل والمضطر، والمحايد سواهم إما متواطيء أو جبان يخذل الضحيّة ولا ينصر غير نفسه أو الظالم".
وقد تبيّن بعد مرور أشهر أنّ كثيراً ممّن تجرّأ على إعلان حياده والدعوة إلى الحياد متواطؤون، فقد أعلن بعضٌ انحيازهم للتمرّد بعد شهور من التخفّي بثوب الحياد، أعرف أحدهم معرفة شخصيّة.
وصاحبي رجل كان يذكر بخير، فغلبت عليه القبليّة والشعوبيّة، فقدّم ولاء شعبه (أولاد جنيد) على بقيّة الأمّة السودانيّة، وكان يُظهر الحياد إلى أن خرج في مقطع مرئي يقول فيه: "الأشاوس ... ووو ... إلخ" وكأنه عمي عن أفعالهم المنكرة.
ومن ينصر الظالم باستهباله فهو مشارك له في الظلم.
وأما من ينصر نفسه فقط بادّعاء الحياد، فهو جبان يخذل الناس عند الشدائد إلا إذا كان هذا الفعل منه عارضاً في معركة ونحوها لا في الحرب كلّها.
وقد تغيّرت مواقف بعضٍ بعد بشائر نصر الأمّة السودانيّة وقواتها المسلّحة.
ولا ينبغي الإسراع بتصديق من تغيّر موقفه من المحايدين، لا سيّما من كان يتجرّأ منهم على الدعوة للحياد واتّهام من يدعو إلى حرب التمرّد إلا من باب العفو، لا من باب تقديمه للصدارة والتقرير في مصير البلد وأهلها.
فالعفو عند المقدرة خلق كريم، والغفلة مهلكة.
وممّا يؤثر عن السلف في مثل هذا أنّ الإمام مالك رحمه الله يقول عن الزنديق (المنافق البيّن نفاقه) توبته في الآخرة فقط، ولا تُقبل له توبة في الدنيا.
وقد شهدنا توبة القراي عند محاكمته مع محمود محمد طه وصحبه.
فكيف تصدّق من لم يقف معك في الشدّة، ولم ينصرك إلا بعد بشائر النصر؟!
ويستثنى من دلت القرائن على صدقه، مثل من لم يكن يتّهم من كان يدعو إلى حرب التمرّد بدون تهوّر.
فقد يضعف المؤمن في بعض المعارك، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِيدٗا وَلَئِنۡ أَصَٰبَكُمۡ فَضۡلٞ مِّنَ ٱللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِيمٗا ۞ فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ﴾ [النساء: ٧٢ - ٧٤].
فالرّاجح في هذه الآيات أنّها في مؤمنين وليست في منافقين، بدليل؛ ﴿مِنكُمۡ﴾ و ﴿بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُۥ مَوَدَّةٞ﴾.
ولكنّ هذا يحدث من المؤمن عادةً في معركةٍ ونحوها، لا في كل الحرب، وبدون تأليب الناس على المجاهدين.
فالرّاجح في هذه الآيات أنّها نزلت في مؤمنين تسرّب الخوف إلى نفوسهم فلم يغالبوه، فمالت نفوسهم للسلامة والتربّص بما يحدث للمجاهدين في سبيل الله.
والذي غلبته نفسه الضعيفة وجبن في موقف ونحوه أولى بالعفو عنه ممّن وقف موقف الحياد في حرب كاملة، فخذل بحياده الأمّة السودانيّة وقواتها المسلّحة.
وقد يجب العفو عمّن وقف محايداً في كل الحرب ولكن بدون تقديمه ليقرّر في مصير الأمّة التي خذلها أيّام الشدائد.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الإثنين ١٤ جمادى الثاني ١٤٤٦هـ، ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق