لا للاستسلام

ملخص؛ لا للتفاوض بقيدها تعني لا للاستلام عند الحكماء الأقوياء، والخير قد يكون فيما تكرهه النفس.
في بداية الحرب فاوض جيشنا المتمردين ممثلاً لأمتنا السودانية، ولكنه لم يستسلم رغم كثرة ضغوطات أعداء الداخل والخارج، وكثرة لوم الأصدقاء وتخوين المتعجّلين والمفسدين.
فالتفاوض لا يعني الاستسلام.
وكانت في شروطهم للاستمرار في التفاوض حماية للمدنيين وإضعاف للمتمردين.
ففي شرط الخروج من بيوت المواطنين والمراكز الخدمية حماية للمواطنين.
وفي شرط تجميع المتمردين في مكان يُتفق عليه إضعاف للمتمردين كيلا يعودوا للتماطل والغدر.
والقائد وصحبه لم يقولوا "لا للتفاوض" إلا بعد أن فاوضوا ليثبتوا أن المتمرد مماطل ماكر غدار.
ولكيلا تكون لمناصري التمرد الأجانب والمحليين حجة أمام المجامع والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية.
ولم يكن رفض التفاوض مبدأ قادتنا، وإنما كان طارئاً بعد أن ماطل المتمردون قبل الحرب وبعدها [١].
فكأني بقادتنا يقولون للمتمرد ومناصريه؛ لا وقت لدينا للقاءات فارغة، دعونا نلتقي في ميدان القتال أولاً ثم نتفاهم.
وما فائدة قتال الفئة الباغية إذا لم تكسر شوكتها وترغم على أن تفيء (ترجع) إلى أمر الله؟
قال الله تعالى: ﴿فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا﴾.
والمعنى أن يكون الصلح بعد الحسم العسكري وإرغام المعتدين على الرجوع إلى أمر الله.
والتفاوض لا يعني الصلح الاضطراري ضرورة.
وليس كل حرب تنتهي بصلح اضطراري من جانب صاحب الحق، كما يزعم حلفاء التمرد السياسيون.
وما الضمان أن يعود المتمردون إلى التوسع والمماطلة والمكر والخيانة إذا لم يتم حسمهم عسكرياً؟
ولم يكن قادة الجيش بقولهم لقاؤنا في ميدان القتال متعنتين ولا مفضلين للحرب على السلم.
قال رسول الله ﷺ: (لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا)، صحيح البخاري (٢٩٦٥).
وسمى الله تعالى إيقاد نار الحرب إفساداً في الأرض.
قال الله تعالى: ﴿كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين﴾.
وكنت منذ بداية الحرب أقول لرافعي شعار "لا للتفاوض" دون تقييده على نحو ما قيده قادة جيشنا؛ أنه يُستخدم ضدنا بمحاولة إظهارنا بمظهر موقدي نار الحروب وقد يُستخدم ضد أي تفاوض فيه مراعاة مصلحة راجحة أو اعتبار ظروف طارئة.
وكنت أقول؛ قولوا لا للاستسلام وليس لا للتفاوض.
وذلك لأن التفاوض لابد منه حتى بعد دحر التمرد، فمن لم يثبت في حقه حرابة (اغتصاب ونهب وقتل للمواطنين) مثلاً من عساكر التمرد يُبحث في توفير سبيل عيش له يشغله بما ينفعه وأسرته ومجتمعه عما يضر الجميع، وهكذا [١].
والتفاوض بعد الحسم العسكري منصوص عليه في شأن البغاة في قول الله تعالى: ﴿فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا﴾.
وذكرت في المقالات القديمة أنه لا ينبغي أن نستبعد احتمال الصلح الاضطراري لأسباب طارئة.
فالأصل عند القدرة استئصال الشر من جذوره وردع البغاة والمجرمين.
ولكن لكل أصل استثناء، فيجوز الصلح الاضطراري بعد إضعاف المعتدين بقدر يمنعهم من تكرار الغدر والمماطلة.
والصلح الاضطراري والاستمرار في الحرب يقررهما أهل الحل والعقد بمن فيهم رؤوس أهل الشوكة (قادة الجيش).
ومن يتجادلون في وسائل التواصل حول  الحسم العسكري والصلح الاضطراري يضيعون أوقاتهم فيما لا ناقة لهم فيه ولا جمل [٢].
فمن يقرر هو الجيش بالتشاور مع ممثلي الناس من العلماء والحكماء والخبراء وسائر أعيان الناس ورؤسائهم ووجهائهم.
ومن خبر الحرب والسلم ودرس وخبر السياسات والقوانين الدولية من قادة العساكر يستطيع تقدير المصالح والمفاسد أكثر من المدنيين مع حاجتهم للمدنيين في المشورة. 
وما نرجوه هو إرغام التمرد على الرجوع إلى أمر الله بهزيمة ساحقة، لا سيّما بعدما رأينا جرائمه المتكررة التي تجعلنا نكره الصلح الاضطراري.
كيف؟ وقد كرهه من هو خير منّا، حتى قال عمر رضي الله عنه: (علام نرضى الدينة في ديننا؟).
ولم يكره الصلح الاضطراري عمر رضي الله عنه وحده، فقد امتنع الصحابة رضي الله عنهم عن حلق رؤوسهم عندما أمرهم النبي ﷺ بذلك ظناً منهم أنّ الأمر للندب وكراهةً للصلح الاضطراري.
وعندما علموا أن الأمر للوجوب كاد يؤذي بعضهم بعضاً عند حلق رؤوسهم من شدة الغم.
ولكن الخير فيما اختاره الله، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إنّكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية).
أسأل الله تعالى أن يقرّ أعيننا بنصر وفتح مبين.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الأربعاء ٢١ جُمادى الآخرة ١٤٤٥هـ،٣ يناير ٢٠٢٤م

مصادر وملاحق

[١] انظر؛ "جدلية من بدأ الحرب" تحت عنوان؛ تأييد جيشنا لحفظ وطننا.
[٢] صلح البغاة، ولا للحرب، ورؤيا مبشرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق