الوضع في دارفور

كتبت هذا المقال بتاريخ الإثنين ١ ذو الحجة ١٤٤٤هـ، ١٩ يونيو ٢٠٢٣م.

التقسيمات الإدارية

المستويات الهرمية الحالية لإدارة الحكم في السودان هي بالترتيب من الأدنى؛ الوحدة، المحلية، الولاية، والمستوى الاتحادي.
ولايات دارفور خمسة، وهي؛
١. شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وهي عاصمة الإقليم سابقاً.
٢. شرق دارفور وعاصمتها الضعين.
٣. جنوب دارفور وعاصمتها نيالا.
٤. وسط دارفور وعاصمتها زالنجي.
٥. غرب دارفور وعاصمتها الجنينة.
لدارفور حدود مع أربع دول هي؛ ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان.
عسكرياً توجد قيادة للجيش في كل مدينة على مستوى الولاية، وتوجد حامية في كل مدينة على مستوى المحلية.
للدعم السريع مركز في مدينة نيالا.
أكبر تواجد لقبيلة حميدتي (الرزيقات) في جنوب شرق دارفور.

طبيعة الصراعات ولمحة تاريخية

 عدا ولاية غرب دارفور يحدث الصراع عادة بين قبيلتين وتتدخل القبائل الأخرى للصلح، فمثلاً؛ لو حدث خلاف في ولاية جنوب دارفور بين المساليت والتعايشة أو الرزيقات أو الفلاتة تتدخل القبائل الأخرى للصلح.
أما ولاية غرب دارفور فالاستقطاب القبلي فيها حاد، وقد تحول فيها الصراع منذ بداياته لصراع بين من فيها من عرب ومساليت كأكبر مكون غير عربي.
فلا تسمع في الولاية إلا عن المساليت من القبائل غير العربية، فلا تسمع عن القمر مثلاً مع أن لهم أرض وحاكورة هناك، وكذلك لا تسمع عن الإرينا والكنين والبرقو، لأنهم كلهم تحت سلطة المساليت، وهذا باعتبار أن الولاية هي دار المساليت وسلطانهم.
ومع أنَّ أولاد راشد أكثر من الرزيقات في ولاية غرب دارفور إلا أنك لا تسمع عنهم لأن الصراع في الولاية دائماً يوصف بأنه صراع بين العرب والمساليت وليس بين قبيلة وقبيلة كباقي ولايات دارفور.
الصراع في ولاية غرب دارفور موجود منذ التسعينات.
ففي سنة ١٩٩٧م اتهم خميس بقتل أمراء عرب في كمين، وخميس هو والي ولاية غرب دارفور الذي قتله المتمردون، وكان الأمراء العرب المقتولون في الكمين في طريقهم لاجتماع خاص أو اجتماع صلح أو شيء من هذا القبيل.
كانت هذه الحادثة هي بداية اشتداد الصراع والغبن بين المكونات القبلية المختلفة في ولاية غرب دارفور أيام الإنقاذ.
بسبب التهمة الموجهة لخميس أودع السجن، ولكن تم تهريبه بواسطة نقيب بسجن الجنينة فالتحق بالحركات المسلحة.
بعد حكومة الإنقاذ تم تعيين محمد عبدالله الدومة والياً للولاية، وهو ينتمي لحزب الأمة، وهو المؤسس لمحامي دارفور، وله علاقة قوية بالمجتمع الغربي والمنظمات الإقليمية.
وفي عهده اتهمته القبائل العربية باستغلال منصبه كوالٍ وكناشط في حقوق الإنسان للانحياز للمساليت وعدم الاعتراف بالمكون العربي في الولاية.
بسبب ما سبق رفض العرب الاعتراف بالدومة وحدثت اضطرابات في الولاية أدت إلى حرق بعض المعسكرات كمعسكر كرندن، وتم إجلاء الدومة بصعوبة حتى قفل لأجله المطار.
عاد خميس كوالٍ لولاية غرب دارفور بموجب اتفاق سلام جوبا.
فترة ولاية خميس لولاية غرب دارفور اتهم أيضاً بالانحياز للمساليت وعدم الاعتراف بالمكون العربي فيها.

الكوارث الإنسانية

استباح المتمردون الجنينة حتى خرج أحدهم يقول في مقطع مرئي حررنا حي الثورة كله من المساليت، ونهبوا واحتلوا مكاتب حكومية وقتلوا خميس وهو والي الولاية.
أكثر المدن تضرراً بعد الجنينة هي مدينة زالنجي، فقد لحقت بالمواطنين أضرار بالغة بنهب السوق والممتلكات رغم أن حدائق الولاية المشهورة بالمانجو أسعفتهم قليلاً من ناحية الوضع الغذائي.
تضررت نيالا من اللصوص الذين استغلوا الوضع وسرقوا ممتلكات الناس لا سيما الأسواق والبنوك.
وفي كتم أيضاً عاث المتمردون فيها الفساد بصورة شبيهة لما حدث في الخرطوم والفاشر في بدايات التمرد.

الوضع العسكري

على مستوى الولايات؛ كل القيادات العسكرية في الولايات الخمس بيد الجيش.
على مستوى المحليات؛ سقطت حامية كتم في ولاية شمال دارفور، وفي ولاية جنوب دارفور سقطت حاميتي أم دافوق ورهيد البردي.
انتقل معظم الجيش من أم دافوق ورهيد البردي إلى قيادة نيالا، ويوجد جيش في الوسط ما بين الحاميات.
أم دافوق مدينة حدودية بين إفريقيا الوسطى والسودان فيها حرس حدود، ولكن سقوط عاصمة إفريقيا الوسطى بيد المعارضة الموالية لفرنسا ليس في مصلحة المتمردين، وذلك لتعارض مصالح فرنسا مع مصالح شركة فاغنر الروسية المتعاقدة في الذهب مع المتمردين.
رهيد البردي تعتبر منطقة التعايشة.
عندما سمع أهل برام بتحرك المتمردين تجاههم بعد سقوط أم دافوق ورهيد البردي ذهبت إدارتهم الأهلية إلى المتمردين وأعلموهم بأن هذه التحركات تسبب خلافات وفتن.
احتلال المتمردين لهاتين الحاميتين يسبب لهم إشكالات مع القبائل في تلك المناطق، فإذا ذهبوا إلى عد الفرسان مثلاً اصطدموا مع بني هلبة، وإذا ذهبوا إلى برام اصطدموا مع الهبانية، وهكذا.

تفاصيل حول الوضع العسكري

١. ولاية جنوب دارفور (نيالا)؛ 
لا يزال الدعم السريع مسيطراً على مقره في حي المطار في شمال المدينة، وذلك بسبب مساعٍ حميدة للإدارات الأهلية أدت إلى توقف الاقتتال في المدينة.
ومع هذه المساعي الحميدة حاول المتمردون ثلاث مرات السيطرة على قيادة الجيش في جنوب المدينة ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها.
٢. شرق دارفور (الضعين)؛
الولاية مستقرة تماماً لم يحدث فيها شيء، بسبب قلة الصراع القبلي وقوة إدارتها الأهلية وتعاونها مع السلطات، وربما يكون ثمة سبب آخر وهو عدم وجود مقر للمتمردين في المدينة.
ناظر الرزيقات في الضعين رفض فتنة التمرد، قيل بأن هذه السياسة من المتمردين، ولكن يترجح أنها سياسة ذاتية لناظر الرزيقات للأسباب التالية؛ ١. حميدتي وآل دقلو ليسوا نظاراً ولا أمراء ولا عمداً ولا يقررون في شأن قبيلة الرزيقات، ٢. احتمال عدم وجود مقر عسكري للمتمردين في الضعين.
في الولاية ثلاثة مكونات قبلية كبيرة، وهي؛ ١. الرزيقات، وهم الأغلبية، ٢. البرقت في الناحية الشمالية للولاية، ٣. المعالية في الناحية الشرقية للولاية، وكلهم تحت قيادة ناظر الرزيقات في الضعين.
٣. ولاية شمال دارفور (الفاشر)؛
الوضع فيها مستقر ولا تزال القيادة بيد الجيش بعد اضطرابات أضرت بالسوق والمواطنين.
فقد حدثت فيها إشكالات منذ بداية التمرد، وقد تعرض القائد الأول للدعم السريع فيها لإصابة، وهو يتعافى حالياً بنيالا.
كان لعودة قوات مني أركو مناوي من الخرطوم للفاشر دور في تأمين السوق والمواطنين، فقد تدخلت الحركات المسلحة بقيادة مني وغيره لحماية الأسواق عموماً وسوق الفاشر خصوصاً.
قوات الشرطة في الفاشر تقاتل مع الجيش خلافاً للولايات الأخرى، ربما لأنها تلقت تدريبات خاصة.
ولأن الفاشر أصبحت عصية على قوات التمرد ذهبوا  إلى مدنية كتم وأفسدوا فيها بمثل ما فعلوا في الخرطوم، فنكلوا بأهل كتم ونهبوهم.
٤. وسط دارفور (زالنجي)؛
الوضع فيها مستقر من الناحية العسكرية فلم تسقط قيادة الجيش فيها.
الطريق من الفاشر إلى زالنجي لا يمكن عبوره بدون المرور على قوات للمتمردين.
٥. غرب دارفور (الجنينة)؛
القيادة لا تزال بيد الجيش رغم احتلال المتمردين لمكاتب حكومية واستباحتهم للأسواق والأحياء السكنية.

موقف الرزيقات والتشكيك

أعلن علي حسن ضي النور تأييد إمارة الرزيقات بولاية جنوب دارفور التمرد، فظهر في مقطع مع عميد من العمد وعدد من الرجال قد يكونون أعياناً، وهم من سكان المنطقة الشمالية لنيالا التي يقع فيها مبنى إدارة الدعم السريع، وهو الذي تم فيه التسجيل، وهو بحي المطار.
وعلي حسن ضي النور لا يتبع لإدارة ناظر الرزيقات، وفي إدارته إشكالات، وقد حدث الخلاف قبل سنة أو سنتين، وقد حاول حميدتي وعدد من الإدارات حل الخلاف.
الذين أعلنوا تأييد التمرد من النظار هم ناظر قبيلة الترجم وناظر قبيلة المسيرية.
وقبيلة الترجم صغيرة جداً في غرب نيالا، بين نيالا وكاس.
ويقال بأن أفراد قبيلة المسيرية والترجم اعتبروا هذه المواقف لنظارهم غير ملزمة لهم، ويرى بعض أن هؤلاء النظار اشتريت ذممهم بإهدائهم سيارات فوعدوا بمساندة حميدتي.
تعتني بعض الأحزاب بنشر هذه المواقف بغرض التشكيك والتخذيل، وذلك لظنها أن مصلحتها في بقاء الدعم السريع كقوة موازية للجيش إلى حين تمكنها بدون تفكير فيما بعد تمكنها.
ومع عدم إنكار دور الأحزاب في استقلال السودان والمحافظة على هويته إلا أنها السبب في كل انقلاب وتمرد وصراع قبلي وجهوي.
والأحزاب هي السبب فيما تسميه بتسييس الجيش، وبعضها يشكك في قدرات الجيش ولا يشيع عنه إلا الهنات والأخطاء.
من ذلك تكرار بعضهم السخرية بتقدير بعض قادة الجيش لأمد الحرب بأيام، متجاهلين تصريحات آخرين، فقد صرح البرهان في بدايات الحرب بأن أمدها غير معلوم.
ومعلوم أن التقديرات الأولية قد تتغير، وربما قدر بعض القادة أن في إعلانها طمأنة للمستجد في الجيش والمدني ليثبتوا حتى تتحقق أو يقوى عودهم ويتعودوا على الصبر إذا تغيرت.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الإثنين ١ ذو الحجة ١٤٤٤هـ، ١٩ يونيو ٢٠٢٣م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق