ترجيح الوسائل الأصلية على الاستثنائية

⏩تعارض الحسنات والسيئات     ⏫محتويات الكتاب     السعي الحزبي للسلطة⏪

الإصلاح السياسي المشروع استثناءاً هو القائم على اعتبار قواعد التعارض والتزاحم بين الحسنات والسيئات، وأما الإصلاح السياسي الجائز أصالةً فهو ما شُرع جوازه أو استحبابه أو وجوبه بأصل الحُكم الشرعي.
من أمثلة الإصلاح السياسي المشروع أصالةً؛ دعوة الأمراء الذين لا يرون أن رعاية الدين من واجباتهم إلى رعايته، ونصح من يحرس أصل الدين ولكنه مقصرٌ في بعض واجبات الولاية الإسلامية، وقد تقدم ذكر أنواعٍ من الإصلاح السياسي المشروع أصالةً في مبحث؛ الإصلاح السياسي في مبدأ الدعوة.
ومن الإصلاح السياسي المشروع أصالةً؛ إنشاء منظمات أو جماعات نصح سياسية تَشْوَقِيَّة، ومنه أيضاً غالب وسائل المنظمات وجماعات النصح الإصلاحية الأساسية، ولا غنى لجماعات النصح عن قواعد التزاحم والتعارض إلا أن عملها ليس مؤسساً عليها.
وللمزيد حول أُطروحة التَّشْوَقَة يُرجى الرجوع إلى الكتاب المختصر المُيسر حولها في؛ مدونتي » إصلاح » التَّشْوَقِيَّة الشرعية بديلاً للديمقراطية الوضعية، وللمزيد حول إنشاء جماعة نصح يُرجى الرجوع إلى ورقةٍ بهذا الشأن في؛ مدونتي » إصلاح » إنشاء جماعة نصح سياسية.
ومن أمثلة الإصلاح السياسي الاستثنائي؛ تولي وظائف سياسية عليا من غير ترشيح منظمة مدنية ومحاصصة سياسية، مثل الوزارات وعضوية المجالس النيابية في ظل وجود مخالفات شرعية.
والوسائل الاستثنائية تعتبر حلولاً مرحلية مؤقتة غير مستدامة محدودة المنفعة، وذلك لأن الإصلاح بهذه الوسائل لا يُمكن أن يُغير النظام المُخالِف بنظام شرعي، فهو لمجرد تخفيف شر أو تحقيق أصلح أو دفع أضر.
وأما الإصلاح بنحو دعوة السلاطين ونصحهم وإنشاء جماعة نصح فهو عمل مُمرحل مستدام، لأن الغرض منه إيجاد نظام بديل متكامل، ولهذا كان لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الأمراء أثرٌ بالغ امتد إلى يومنا هذا.
وجماعة النصح عملها متدرج حسبما تقتضيه الظروف، ويمكن عبر الجماعة التَّشْوَقِيَّة في إحدى مراحل عملها مطالبة صناع القرار لإجراء استفتاء عام حول حظر الحزبية أو منعها من التنافس على السلطة، وبذلك يتم تحويلها إلى جماعات نصح، لأنه لا فرق بين جماعات النصح والأحزاب غير التنافس على السلطة.
وإنشاء مثل هذه الجماعة السياسية من فروض الكفايات، كما أن من فروض الكفايات؛ التفرغ للدعوة والتعليم ومزاحمة المُفسدين عند الاضطرار والاحتياج بالتصويت لمرشحين لعضوية البرلمان ونحو ذلك.
والمؤسف أن فهم بعض الناس للإصلاح السياسي لا يكاد يتجاوز موازنة المأمورات والمنهيات عند التعارض، وذلك بغرض تخفيف الشر، علماً بأن تخفيف الشر مع أهميته قد يكون قليل النفع  جداً، وذلك لأن التخفيف ما لم تصحبه مضار أفضل من عدمه مهما كان قليلاً.
ومسائل تعارض وتزاحم الحسنات والسيئات قد تدخل في باب الاضطرار والاحتياج، والبلوى العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة، والضرورة تتعلق بدفع ضرر، والحاجة تتعلق بدفع مشقة أو جلب مصلحة، والمحرم لغيره يباح للحاجة، وللمزيد حول هذه القواعد يرجى الرجوع إلى؛ مدونتي » أَحكام » الاضطرار والاحتياج والبلوى العامة.
ولذا يُشترط في مسائل التعارض والتزاحم شروط الاضطرار إذا اقتضت فعل محرم لذاته أو ترك واجب، ويشترط فيها شروط الاحتياج إذا اقتضت فعل محرم لغيره، ومن أهم شروطهما التعين؛ بمعنى عدم وجود سبيل شرعي لِتخفيف شر أو تحقيق أصلح أو دفع أضر، وعند الاحتياج؛ عدم وجود سبيل شرعي لرفع مشقة أو تحقيق مصلحة حاجية.
وبغير تحقق هذا الشرط يأثم الإنسان بترك واجب أو فعل محرم ولا يؤجر على ما حققه بذلك من خير، فلا أجر في تحقيق أصلح بأخف ضرر بنحو إسلام غير مسلمين بدعوتهم بالخمور.
ومن الشروط؛ أن تقدر كلٌ من الضرورة والحاجة بقدرها؛ فلا يجوز لمتولي ولاية فيها مخالفات شرعية أن يفعل حراماً أو يترك واجباً مختاراً للمخالفة بدون موجب.
ومن الشروط؛ ألا يكون المقصود من تخفيف شر أو دفع أضر أو تحقيق أصلح متوهماً، بل يشترط أن يكون متحققاً أو مظنوناً بظن غالب.
ومن أهم ما ينبغي معالجته في ذلك النيات، لأن من تولى ولاية فيها مخالفات شرعية بنية الدنيا فإنه لا يُعد غير فاعل لمحرم أو تارك لواجب، بخلاف من تولى بغرض تخفيف شر أو دفع أضر أو تحقيق
 أصلح.
عمر عبداللطيف محمد نور
هلسنكي، فنلندة
الجمعة ٢٧ رجب ١٤٣١هـ، ٩ يوليو ٢٠١٠م
التعديل؛ الأحد ٢٠ رجب ١٤٤١هـ، ١٥ مارس ٢٠٢٠م
pdf

⏩تعارض الحسنات والسيئات     ⏫محتويات الكتاب     السعي الحزبي للسلطة⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق