المبحث السابع؛ الديمقراطية والعدالة في الغرب

التجربة الغربية بشرية فيها إيجابيات، فقد دل الشرع والعقل على أنَّ النتائج بأسبابها، ولذا المغلوب مولع بتقليد الغالب، والخطأ إنما هو في تقليد الغالب في كل غث وسمين، ففي الغرب سلبيات ستؤدي به إلى الانهيار السريع في أعمار الإمبراطوريات وإن كان هذا الانهيار بطيئاً في أعمار الناس.
وكثير مما في الناس من إيجابيات هو من بقايا تعاليم الرسل عند الناس، أبقاها الله عز وجل لحكم عظيمة؛ {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}، وقد ذكر نحواً من هذا ابن تيمية رحمه الله تعالى.
من محاسن الديمقراطية التحزبية كفالة حق إنشاء المنظمات المدنية اللا ربحية والعلمية والثقافية والرياضية والحقوقية ونحوها من التجمعات الخدمية والمطلبية التي تساعد في ترقية المجتمع وتشكل قوة مدنية ضاغطة تمنع تسلط أصحاب القرار.
الغربيون من أكثر الناس ممانعة لظلم السلاطين، وفيهم حب للعدل وكره للظلم، فعن المستورد القرشي رضي الله عنه قال: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس‏)، فقال له عمرو‏:‏ أبصر ما تقول‏‏، قال‏: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏،‏ قال‏:‏ (لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعاً‏؛ إنهم لأحلم الناس عند فتنة‏،‏ وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة‏،‏ وأوشكهم كرة بعد فرة،‏ وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف‏، وخامسة حسنة وجميلة‏؛‏ وأمنعهم من ظلم الملوك‏) [1].
لأن مدح عمرو بن العاص رضي الله عنه السابق صفة ممانعة الظلم بأنها حسنة جميلة لا يعني جواز الخروج على الأمراء سلمياً كان أو مسلحاً، فقد لزم أن يكون المعنى مدافعة منكر الظلم نفسه، وإلا لما كان لمدح ممانعة الظلم معنىً.
من أسباب صلاح سياسة الدنيا في الغرب نسبياً مقارنة بغيره من البلدان والدول؛ عدل الأوربيين فيما بينهم ومقاومتهم لظلم ملوكهم وظلم بعضهم بعضاً ومراعاتهم لحفظ الحقوق.
ومن كمال عدل الله جل ثناؤه أن الكافر يجد جزاءه على أعماله الحسنة في الدنيا، والجزاء من جنس العمل، فإذا كانت الشعوب عادلة مدافعة للظلم جعل الله عز وجل حكَّامهم من جنسهم.
قال الله تعالى ذكرُهُ: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال الله جل ثناؤُهُ: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}.
وظلم الملوك عقوبة بسبب تفشي الظلم وعدم مقاومته، يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم)، وقوله (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب)، فالظالم عموم يشمل ظلم الأمراء.
تحول حال الغرب من ظلم وفقر وتخلف إلى عدالة نسبية وتنمية وتطور حدث بأسباب داخلية؛ {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}.
فللإصلاح سنن شرعية وكونية، ومن السنن الشرعية والكونية العدل ومدافعة ظلم السلطات، ومن السنن الكونية الآليات المؤثرة والفاعلة كمنظمات المجتمع المدني التي تطالب بالحقوق والسياسات العادلة.

المصادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق