لماذا جماعة نصح وليس حزباً سياسياً؟

على التسليم جدلاً بصحة القول بجواز إنشاء حزب سياسي، فإن فمشروعيته إذا صحت استثنائية، لأن هذا القول مبني على قواعد التعارض والتزاحم بين الحسنات والسيئات.
وأما جماعات النصح فمشروعة أصالةً، وتعتبر جماعات النصح قواعد التعارض والتزاحم إستثناءاً في سعيها للإصلاح.
والأحكام المبنية على قواعد التزاحم والتعارض داخلة في أحكام الاضطرار والاحتياج، ولها شروط، منها؛ التعيًّن بألا يوجد طريق آخر شرعي لتخفيف الشر أو دفع الأضر أو تحقيق الأصلح الضروري أو الحاجي.
وجماعات النصح بديل شرعي يحوي منافع الأحزاب ويُخرج مضارها، لأن نطاق عمل جماعات النصح هو مثل نطاق عمل الأحزاب غير أن جماعات النصح لا تسعى لسلطة بترشيحات ولا محاصصات.
والحزب السياسي يحتاج إلى إمكانات مادية ضخمة لخوض الانتخابات على كافة مستوياتها، وهذا أمر لا يتوفر للعمل الناشيء، فلا حاجة في بداية عمل ناشيء لإنشاء حزب سياسي، لأن مجال عمل جماعة النصح يشمل كل أعمال الأحزاب السياسية غير السعي للسلطة.
ما في إنشاء حزب سياسي من تخفيف شر تصحبه مفاسد كتضييع المال في الحملات الانتخابية، واتهام الأخيار بالتهافت على السلطة والمال والمتجارة بالدين، والتنازل عن مباديء لكسب الأصوات، وتلاعب أهل السلطة الحقيقية بالأحزاب، وتقديم مصالح الحزب على المصالح العامة، وتغليب الولاء الحزبي، وصراع أعضاء الحزب، وصراع الحزب مع الأحزاب الأخرى على السلطة.
المفاسد السابقة تجعل المصالح المتحققة من إنشاء حزب إما مرجوحة أو منقطعة غير مستدامة، فتكون غير مستدامة إذا تمكن الحزب من السيطرة على  السلطة، وذلك بسبب الصراع داخل الحزب ومع الأحزاب الأخرى خاصة في ظل هيمنة الغرب.
ولكن لابد من تصويت أعضاء جماعة النصح لأفضل المرشحين قبل تحويل الأحزاب السياسية إلى جماعات سياسية غير حزبية، وذلك لكيلا يترك البرلمان خالياً للمُفسدين في تلك الفترة، وتُصدر جماعة النصح توجيهات عامة لكيفية اختيار المُرشح الأفضل.
والإصلاح السياسي بإنشاء حزب سياسي على التسليم جدلاً بجوازه عمل مرحلي مؤقت غير مستدام محدود المنفعة (تكتيكي)، وكذا الإصلاح بالترشيح أو التصويت، وذلك لأنها وسائل استثنائية لا تجوز في أصل الحُكم الشرعي.
فهذه الوسائل لا يُمكن أن تغير النظام الديمقراطي الوضعي إلى نظام شرعي، وذلك لأنها تتم عن طريق آليات فاسدة، فغاية أمرها أنها لمجرد تخفيف الشر.
والإصلاح لا يكون بمجاراة أهل الباطل في باطلهم، وإنما بالسعي بعلم وحكمة وتدرج في القضاء على الباطل من جذوره، وهذا لا يمنع التصويت مرحلياً لمرشحي أحزاب للضرورة والحاجة بشروطها، يعني مثل أكل الميتة للضرورة أو النظر إلى الأجنبية للحاجة، ولكن البعض نسي المشروع أصالةً وتمسك فقط بما شرع اضطراراً أو احتياجاً.
والراجح في مسألة محاصصات وترشيحات المنظمات المدنية أنها لا تجوز ولو مرحلياً، وأن البديل المرحلي الأفضل هو التصويت للأقرب إلى الإسلام من المُرشحين إلى حين تشوقة البلد تخفيفاً للشر.
فتخفيف الشر أفضل من عدمه إذا لم تكن في وسيلة التخفيف ذاتها مفاسد راجحة، والتخفيف بترشيحات ومحاصصات المنظمات المدنية تصحبه مفاسد تجعل المفاسد أعظم من التصويت للآخرين.
وأما عمل جماعة النصح ففائدته أعظم لأنه مشروع أصالةً، وهو عمل مُمرحل مستدام (استراتيجي)، لأن غرضه إيجاد نظام بديل كامل، ومع ذلك فهو يشتمل على إصلاحات مؤقتة منها المشروع أصالةً كالنصح سراً وبالرفق، ومنها المشروع استثناءاً كالتصويت لمرشحي أحزاب، ومنها المشروع للاحتياج كبعض وسائل الضغط.
وإنشاء جماعة نصح سياسية تَشْوَقِيَّة من فروض الكفايات، كما أن التخصص في الدعوة والتعليم من فروض الكفايات، فيجب أن تسعى فئة من المُسلمين إلى تحويل التعدد الحزبي إلى تعدد جماعي تنافسي في الخير بمنع الأحزاب السياسية من السعي للسلطة، وذلك بالضغط على صناع القرار لإجراء استفتاء عام حول منع الأحزاب السياسية من التنافس على السلطة، وبذلك يتم تحويلها إلى جماعات نصح.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الخميس 11 صفر 1441ه، 10 أكتوبر 2019م

⏩التخصص في السياسة   ⏫محتويات الورقة     انتخاب مجلس الإدارة⏪

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق