شفاعة الآلهة الباطلة عقيدة شركية ودعوى جدلية

رجوع إلى قسم منهج وإصلاح

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين.
اعتقاد شفاعة الآلهة الباطلة عند الله تعالى في صلاح الدنيا أو الآخرة شرك في التشريع، وعبادتها شرك في العبادة، وهذا إذا عبدت بنحو السجود والنذر وتقريب القرابين وطلب الشفاعة الشركية.
وأما إذا عبدت بدعائها من دون الله تعالى، فإن القول بشفاعتها في صلاح الدنيا مجرد دعوى جدلية كاذبة.
والشرك في التشريع منازعة لله عز وجل في ملكه.
قال الله تعالى ذكره: {قُل لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَميعًا لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعونَ} [الزمر:  ٤٤].
وقال: {مَن ذَا الَّذي يَشفَعُ عِندَهُ إِلّا بِإِذنِهِ}.
وقال؛ {وَلا يَشفَعونَ إِلّا لِمَنِ ارتَضى}.
والشرك في التشريع شرك في الربوبية لما فيه من إعطاء صفة خاصة بالخالق سبحانه وتعالى للمخلوق.
قال الله تعالى ذكره: {اتَّخَذوا أَحبارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ وَالمَسيحَ ابنَ مَريَمَ وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدوا إِلهًا واحِدًا لا إِلهَ إِلّا هُوَ سُبحانَهُ عَمّا يُشرِكونَ} [التوبه:  ٣١].
والشرك في التشريع شرك في العبادة لما فيه من طاعة المشرعين من دون الله تعالى على وجه التدين والاعتقاد.
قال الله جل ثناؤه: {أَم لَهُم شُرَكاءُ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدّينِ ما لَم يَأذَن بِهِ اللَّهُ وَلَولا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَينَهُم وَإِنَّ الظّالِمينَ لَهُم عَذابٌ أَليمٌ} [الشورى:  ٢١].
ادعاء أن المدعو من دون الله لقضاء حاجة يشفع عند الله في قضائها مجرد جدل ومكابرة، فطلب قضاء حاجة اختص الله بقضائها من المخلوق شرك في التدبير والعبادة، والشرك في التدبير شرك في الربوبية.
وذلك لأنه يستحيل عادة أن يطلب شخص من آخر قضاء حاجة وهو يقصد طلب شفاعته في قضائها من غير قرينة صارفة.
والنصوص تدل على وقوع ما سبق ذكرهما من نوعي الشرك قبل البعثة من أهل الكتاب والمشركين.
مما يدل على ذلك أن الإخبار عن الشفاعة المنفية في القرآن جاء بصيغ تدل على أنها عقيدة وأنها دعوى كاذبة، وجاء ذكر الشفاعة بإطلاق وعموم في أمور الدنيا والآخرة، ومن قواعد التفسير أن الآية إذا احتملت معانٍ صحيحة غير متضادة فإنها تُحمل عليها جميعاً.
قال الله جل ثناؤه: {أَلا لِلَّهِ الدّينُ الخالِصُ وَالَّذينَ اتَّخَذوا مِن دونِهِ أَولِياءَ ما نَعبُدُهُم إِلّا لِيُقَرِّبونا إِلَى اللَّهِ زُلفى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم في ما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدي مَن هُوَ كاذِبٌ كَفّارٌ} [الزمر:  ٣].
 قال الطبري رحمه الله: (يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زلفى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا، وهي فيما ذكر في قراءة أبي:"ما نعبدكم"، وفي قراءة عبد الله:" (قالوا ما نعبدهم)) [١].
وقال الله تعالى: {وَيَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَيَقولونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِندَ اللَّهِ قُل أَتُنَبِّئونَ اللَّهَ بِما لا يَعلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الأَرضِ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ} [يونس:  ١٨].
قال السمعاني رحمه الله: (فإن قال قائل: كيف قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله وهم لا يؤمنون بالبعث؟ الجواب: أنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله في مصالح معايشنا في الدنيا) [٢].
وقال الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُل أَوَلَو كانوا لا يَملِكونَ شَيئًا وَلا يَعقِلونَ} [الزمر:  ٤٣].
قال الطبري رحمه الله: (يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند الله في حاجاتهم) [٣].
وقال ابن عاشور رحمه الله مبيناً أن شفاعة الآلهة دعوى جدلية: (أم منقطعة، وهي للإضراب الانتقالي، انتقالاً من تشنيع إشراكهم إلى إبطال معاذيرهم في شركهم، ذلك أنهم لما دمغتهم حجج القرآن باستحالة أن يكون لله شركاء تمحلوا تأويلاً لشركهم فقالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، كما حكي عنهم في أول هذه السورة، فلما استوفيت الحجج على إبطال الشرك؛ أقبل هنا على إبطال تأويلهم منه ومعذرتهم. والاستفهام الذي تشعر به أم في جميع مواقعها هو هنا للإنكار، بمعنى أن تأويلهم وعذرهم منكر كما كان المعتذر عنه منكراً فلم يقضوا بهذه المعذرة وطراً) [٤].
يؤكد صحة أن الشفاعة دعوى جدلية من بعض المشركين؛ مناسبتها لآيات سابقة في نفس السورة، منها؛ {وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ لَيَقولُنَّ اللَّهُ قُل أَفَرَأَيتُم ما تَدعونَ مِن دونِ اللَّهِ إِن أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَل هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَو أَرادَني بِرَحمَةٍ هَل هُنَّ مُمسِكاتُ رَحمَتِهِ قُل حَسبِيَ اللَّهُ عَلَيهِ يَتَوَكَّلُ المُتَوَكِّلونَ} [الزمر:  ٣٨].
وأما ادعاء أن الله تعالى وكَّل بعض خلقه في قضاء حاجات وأن قضاءها لا يقع إلا بإذنه، فإنه لا يغير حقيقة أن دعاء غير الله شرك بيِّن بالشرع والفطرة والعقل.
أما دلالة العقل؛ فليُظهر الله تعالى خصوص قدرته وكمالها للناس؛ اختص نفسه بتدبير كثيرٍ من الأمور كأحياء الموتى والإتيان بالشمس من المشرق وشفاء المرضى، والفطرة تدل عليها، ومما جاء في الشرع قول الله تعالى ذكرُهُ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا}.
فنسبة شيئٍ اختص الله تعالى به نفسه من الخلق والملك والتدبير والأمر إلى المخلوق شرك في الربوبية والتشريع، ودعاء المخلوق في تدبير أمرٍ اختص الله تعالى به نفسه شرك في العبادة، وللمزيد حول الدعاء؛ مدونتي » إصلاح » أغلظ شركٍ في العبادة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الخميس 25 محرم 1443هـ، 2 سبتمبر 2021م

المصادر

[1] تفسير الطبري (ج21/ص251)، تحقيق؛ أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ - ٢٠٠٠م..
[2] تفسير السمعاني (ج2/ص372)، تحقيق؛ ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧م.
[3] تفسير الطبري (ج٢١/ص٣٩٩)، الطبعة السابقة.
[4] التحرير والتنوير (ج24/ص26)، الدار التونسية للنشر - تونس، ١٩٨٤هـ.

رجوع إلى قسم منهج وإصلاح

هناك تعليقان (2):