إبطال إباحة السماع بحجة عدم الإجماع

رجوع إلى قسم شبهات وردود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اقتفى أثرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

تمهيد

تكرار ما كتب دون سبب داعٍ يُعد مضيعة لوقت الكاتب والقاريء، ولذا أختصر في هذا المقال وأنقل أقوالاً للشيخ الألباني رحمه الله تعالى من كتابه؛ "تحريم آلات الطرب"، وللمزيد يُرجى الرجوع للكتاب.
وسبب كتابة هذا المقال احتجاج كثير من الناس بما ورد في كتاب الشوكاني رحمه الله تعالى "إبطال الإجماع على تحريم مطلق السماع".
ولم أقرأ كتاب الشوكاني رحمه الله تعالى كاملاً، ولم أجد فيما قرأت تصريحاً منه بإباحة المعازف، مع أن بعض كلماته قد تدل على ميله لإباحتها، ولكنه نص على أنه لا يسمعها.
وتورع الشوكاني رحمه الله تعالى عن سماع المعازف يدل على أنه يرى أنها إما من المتشابه أو أن احتمال الحرمة فيها كبير مع رجحان احتمال الحل، والورع واجب في الحالة الأولى ومستحب في الثانية، للمزيد حول المشتبهات والشبهات؛ معنى "استفت قبلك".

الاحتجاج بالخلاف

الاحتجاج بعدم الإجماع لا سيما عند وجود نص شرعي في المسألة ولو كان ظنياً يُعد احتجاجاً بالخلاف، والخلاف لا يُحتج به، وإنما يُحتج بالإجماع.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله) [1].
وإنما يُحتج بعدم الإجماع على جواز الخلاف لا على صحة الحكم إذا كان الخلاف معتبراً، ويُحتج به لبيان أن الإجماع متوهم عند وجود نص مخالف لدعواه ولو كان النص ظنياً.
فالإجماع الظني لوحده مع عدم وجود نص مخالف له دليل معتبر، وهو مُقدم على القياس الظني.
والإجماع الظني يقوي دلالة النص الظني، فإجماع أهل عصر واحد يُعد إجماعاً، فكيف بنص صريح؟
وللمزيد حول مسائل الإجماع؛ الاتباع في دليل الإجماع.

أقوال الإمام الألباني

أكتفي بنقل أقوال على نقولات الشوكاني رحمه الله تعالى التي زعم أنها تخرق الإجماع، وهي من كتاب الألباني رحمه الله تعالى؛ "تحريم آلات الطرب" ص 98 وما بعدها [2].
ويبدو أن الألباني رحمه الله تعالى لم يطلع على كتاب إبطال الإجماع، فقد رد على كلام الشوكاني رحمه الله تعالى في نيل الأوطار في هذه المسألة، ويبدو أنه ملخص لما في كتاب إبطال الإجماع، فأنقل التالي من أقوال الألباني رحمه الله تعالى من كتابه "تحريم آلات الطرب".
(ثم نقل عن بعضهم أنه حكى أقوالاً عن بعض السلف بالإباحة، وتوسَّع في ذلك توسعاً لا فائدة منه، لأنها أقوال غالبها معلقة لا سنام لها ولا خطام، وبعضها قد صح عن بعضهم خلافه، وبعضُها مشكوك في لفظه، كما يأتي تحقيقه) [2].
(عزو الشوكاني الترخيص إلى أهل المدينة يوهم أن منهم مالكاً، وليس كذلك، وإن كان مسبوقاً إليه).
(فأقول: ليس منهم الإمام مالك يقيناً، بل قد أنكره عليهم هو وغيره من علماء المدينة، فروى أبو بكر الخلال في الأمر بالمعروف ص 32 وابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 244 بالسند الصحيح عن إسحاق بن عيسى الطباع -ثقة من رجال مسلم- قال: سألت مالك بن أنس عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق).
(ثم روى الخلال بسنده الصحيح أيضاً عن إبراهيم بن المنذر -مدني ثقة من شيوخ البخاري- وسئل فقيل له: أنتم ترخصون في الغناء؟ فقال: معاذ الله! ما يفعل هذا عندنا إلا الفساق).
(وأما الأقوال التي نقلها الشوكاني مما سبقت الإشارة إليه ووعدنا بالكلام عليها، فالجواب من وجهين؛).
(الأول؛ أنه لو صحت نسبتها إلى قائليها (وفيهم الكوفي والمدني وغيرهم)، فلا حجة فيها، لمخالفتها لما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة الدلالة).
(والثاني؛ أنه صح عن بعضهم خلاف ذلك، فالأخذ بها أولى، بل هو الواجب، فلأذكر ما تيسر لي الوقوف عليه منها؛)، وقد خرج الألباني رحمه الله تعالى أسانيدها في الكتاب.
(الأول؛ شريح القاضي، قال أبو حصين؛ أن رجلاً كسر طنبور رجل، فخاصمه إلى شريح، فلم يضمنه شيئاً).
(الثاني؛ سعيد بن المسيب، قال: (إني لأبغض الغناء وأحب الرجز)).
(الثالث؛ الشعبي (عامر بن شراحيل)، روى عن إسماعيل بن أبي خالد أنه كره أجر المغنية، وقال: (ما أحب أن آكله)).
(الرابع؛ مالك بن أنس، وقدمنا عنه بالسند الصحيح أنه قال في الغناء: (إنما يفعله عندنا الفساق)، ومع ذلك نقل الشوكاني عن القفال أن مذهب مالك إباحة الغناء بالمعازف!!).
(هذا وفي بعض الأقوال التي ذكرها الشوكاني ما قد يصح إسناده، ولكن في دلالته على الإباحة نظر من حيث متنه، وقد وفقت على سند اثنين منها؛)
(أحدهما؛ ما عزاه لابن حزم في رسالته في السماع بسنده إلى ابن سيرين قال؛ إن رجلاً قدم المدينة بجوارٍ، فنزل على عبد الله بن عمر، وفيهن جارية تضرب، فجاء رجل فساومه، فلم يهو منهن شيئاً، قال: انطلق إلى رجل أمثل لك بيعاً من هذا، قال: من هو؟ قال: عبد الله بن جعفر، فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فقال: (خذي العود)، فأخذته فغنت، فبايعه، ثم جاء ابن عمر ... إلى آخر القصة. ولي على هذا ملاحظتان؛).
(أنه ليس في رسالة ابن حزم المطبوعة ص 100 لفظة العود).
(والأخرى؛ أنها وردت في المحلى لكن على الشك فيها أو التردد بينها وبين لفظة الدف).
(والمقصود أنه قد اختلف أيوب وهشام في تعيين الآلة التي ضربت عليها الجارية، وكل منهما ثقة، فقال الأول الدف، وقال الآخر العود، وأنا إلى قول الأول أميل لسببين؛).
(أنه أقدم صحبة لابن سيرين، وأوثق منه عن كل شيوخه، وليس كذلك هشام مع فضله وعلمه وثقته).
(والآخر؛ أنه اللائق بعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، فإن الدف يختلف حكمه عن كل آلات الطرب من حيث إنه يباح الضرب عليه من النساء في العرس كما تقدم ويأتي، ولذلك وجدنا العلماء فرقوا بينها وبينه من جهة إتلافها).
(والخلاصة أننا نبريء عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما من أن يكون اشترى الجارية من أجل ضربها على العود لما سبق ترجيحه، وإلا فلا حجة في غير كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم).
(هذا، والقول الآخر الذي فيه نظر، ما عزاه الشوكاني لشعبة أنه سمع طنبوراً في بيت المنهال بن عمرو؛ المحدث المشهور).
(قلتُ؛ أصل هذا ما رواه العقيلي في الضعفاء ( 4 / 237 ) من طريق وهب -وهو ابن جرير- عن شعبة قال: أتيت منزل المنهال بن عمرو، فسمعت منه صوت الطنبور، فرجعتُ ولم أسأله، قلت: هلا سأتله؟ فعسى كان لا يعلم).
(قلتُ؛ وإسناده إلى شعبة صحيح، ومنه يتبين أنه لا يجوز حشر المنهال هذا في زمرة القائلين بجواز الاستماع لآلات الطرب فضلاً عن استعمالها، لاحتمال أنه وقع ذلك دون علمه).
(على أن هذا الأثر يمكن قلبه على المرخصين، لأن شعبة أنكر صوت الطنبور، فهو في ذلك مصيب، وإن كان أخطأ في ظنه أن المنهال كان من المرخصين به).
للمزيد في المسألة ومعرفة النصوص الدالة على تحريم المعازف وأقوال العلماء فيها ومناقشة أقوال ابن حزم رحمه الله تعالى وغيره من المبيحين؛ فيرجى الرجوع إلى كتاب الألباني رحمه الله تعالى؛ تحريم آلات الطرب، وهو في حوالي 216 صفحة.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الاثنين 18 رمضان 1443هـ، 19 أبريل 2022م.
 يونيو 2018م

المصادر

[1] جامع بيان العلم وفضله (ج2/ص922)، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية الطبعة الأولى، 1414 هـ - 1994 م.
[2] تحريم آلات الطرب (١/‏٩٨)، مؤسسة الريان بيروت، لبنان/ دار الصديق، الجبيل، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، ١٤٢٦هـ/٢٠٠٥م.

رجوع إلى قسم شبهات وردود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق