مَقرِن أو مَجْمَع لا السودان

رجوع إلى قسم سياسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اسم "السودان" أحدثه أجنبي أعجمي فألبس فهم كلام علماء العرب ومؤرخيهم، "مَقرِن" أو "مَجْمَع" لأنه يقرن نهرين عظيمين وأنساباً نسيبة وقدرات قديرة وعادات حسنة جميلة.
إطلاق السودان على بلد معينة أحدث لبساً في فهم مراد السابقين بالكلمة من جهتين؛
١. أن الكلمة في أصلها اللغوي وإطلاق السابقين يراد بها ناس لا أرض.
٢. أن معناها أوسع بكثير من إطلاقها على قومنا أو بلدنا.
فهلا سمينا بلدنا باسم لا يُلبس فهم القراء والباحثين؟
ولم لا نسمي بلدنا بأنفسنا ونترك الاسم الذي أحدثه غيرنا ممن يجهل كتب قومنا ولغتنا ولا يهمه أمرنا مثل اهتمامنا؟
"مَقرِن" أو "مَجْمَع" لأنه اسم مكان.
فاسم المكان في اللغة من الفعل الثلاثي على وزن "مَفْعَل" أو "مَفْعِل"، وذلك حسب تشكيل الفعل المضارع أو النقص في أول الفعل الثلاثي أو آخره.
و "مَقرِن" أو "مَجْمَع" لأنه المكان الذي يقترن فيه نهران عظيمان ويجتمعان فيه.
ولأنه المكان الذي تقترن وتجتمع فيه شعوب وقبائل بينها رحم بدرجة رحم الشعب الواحد أو القبيلة الواحدة، فهو مَقرِن ومَجْمَع قدرات وعادات حسنة [١].
ولأنه المكان الذي يقرِن ويجمَع بين قارتين عظيمتين.
وأما إطلاق لفظ السودان على بلد فهو صنيع أعاجم اللسان، فمن نشره هم الإنجليز، ومن أطلقه ألباني.
وقد تسبب هذا الإطلاق في لبس في الفهم على الناس، فصار الناس يختلفون في المعنى المراد بهذه الكلمة في كتب الأقدمين.
وهي كلمة بينة المعنى في اللغة وفي كلام السابقين في كتبهم.
فالسودان كلمة عربية فصيحة، وهي تعني القوم السود كما تعني البيضان القوم البيض.
قال ابن منظور رحمه الله تعالى: (والبيضان من الناس: خلاف السودان) [٢].
والعرب لا تقول السودان إذا تحدثت عن بلد أو أرض، وإنما تقول أرض السودان أو بلد السودان.
أخبرني خبير باللغة والأنساب أن أول من سمى السودان باسمه هذا هو محمد علي باشا الألباني عام ١٨٢٤م فترة الحكم التركي (١٨٢١-١٨٨٥م) [٣].
وكان السودان ينقسم إلى مملكة سنار العربية الإسلامية (١٥٠٤-١٨٢١م)، وسلطنة دارفور الإفريقية الإسلامية (١٦٠٣-١٨٨٦م).
وقد اختلط فهم مراد السابقين بكلمة "السودان" على كثير من الباحثين حتى كثرت الأقوال حول معنى كلمة بينة المعنى.

تنبيهات بناءاً على تعليقات

أرجو أن نستصحب المعنى اللغوي لكلمة السودان ونتأمل في كل كلام مترجم أو أصيل، مثل؛ ممالك السودان، السودان، بلاد السودان،  ...إلخ.
فممالك السودان مثلاً تعني ممالك القوم السود، وعلى هذا فقس.
إثيوبيا كلمة يونانية تعني صاحب الوجه المحروق أو اللون البني.
ولعلها تعني بُني أو أسود الوجه بسبب حرق، فقد قيل بأن إثيوبيا ترجمة لكوش، وبعض شراح مقدسات اليهود والنصارى يعتقدون أن كوش ملعون بسبب لعنة حام المختلقة.
وهل أطلق أهل إثيوبيا على بلدهم هذا الاسم أم ذكره مؤرخون حكاية عن بلد زاروها أو قرؤوا عنها، كقول بلد إثوبيا، ممالك إثيوبيا، الإثيوبيين، ... إلخ؟
وهل يظن بأهل بلد أن يسموا أنفسم أهل الوجوه البنية المحروقة بدون جهل عقدي أو تسمية غيرهم؟
ولا بأس في اللغة من إطلاق الأرض وإرادة الناس والعكس، وكان هذا في ذهني ولم يعلق به معلق.
قال الله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [يوسف: ۸٢].
ولكن لابد لهذا الاستعمال من قرينة صارفة للمعنى عن ظاهره.
وعلى كل، فإن المعنى اللغوي وإحداث أجنبي ليسا سببين أساسيين للاقتراح، وإنما ذكرتهما لأثرهما في التسمية.
فالسبب الأساسي لاقتراحي هو ما أحدثه اسم "السودان" من لبس في فهم كلام العلماء والمؤرخين السابقين.
ولمزيد فائدة؛ ورد في حديث الغناء يوم بعاث قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (وكانَ يَومَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودانُ بالدَّرَقِ والحِرابِ) [٤].
وهذا المقال امتداد لمقالين في الرابطين رقم [١] ورقم [٥].
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الثلاثاء ٢٤ محرم ١٤٤٦هـ، ٣٠ يوليو ٢٠٢٤م

المصادر والمراجع

[١] الكوشيون أخوال عُربنا؛ رابط المدونة، رابط الواتسآب، رابط التلغرام.
[٢] لسان العرب (ج٧/‏ص١٢٣).
[٣] مقال لأبي كنانة على قناته في تلغرام قال فيه: (وأما تخصيصه اسماً لبلدنا: فأول من أطلقه عليه سياسياً هو محمد علي باشا التركي الألبانيّ عام ١٢٣٦هـ، ثم نشره الإنجليز من بعده وأذاعوه، كما أفاده النسابة الفحل بن طاهر النافعي الجعلي العباسي (ت ١٣٩٥هـ) والمؤرخ أ. د. يوسف بن فضل الجعلي).
[٤] صحيح البخاري (٩٤٩).
[٥] دعاوى حول أرض كوش؛ رابط المدونة، رابط الواتسآب، رابط التلغرام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق