قتل القادرين على القتال من الرجال المدنيين من أهل الحرب لا يجوز بالنصوص الصريحة والإجماع إذا تعاقد المسلمون مع الكفار على ذلك، ولا شك أنَّ في التعاقد على ذلك تحقيق مصالح ودفع مفاسد كثيرة لا تخفى.
بل الصحيح عدم جواز قتل الرجال المدنيين مطلقاً، فالذي يظهر أن الفقهاء الذين قالوا بأن دمهم هدر، قصدوا بذلك؛ عدم إلزام قاتلهم بدية أو كفارة، ولم يقصدوا جواز قتلهم، فقد نص بعض من قال بأن دمهم هدر على أن على من قتلهم التوبة والاستغفار.
فالصحيح قياس سائر المدنيين على من وردت النصوص بالنهي عن قتلهم لا سيما النساء والأطفال، ومجمل من نص الفقهاء على تحريم قتلهم إن لم يشاركوا بقتال أو رأي ستة أصناف وهم؛ المرأة، والصبي، والعسيف والأجير والفلاح، والمجنون، والشيخ الهرم، والراهب المنعزل في رهبانيته، والزمنى (كالمقعد والأعمى والأعرج).
وقد يكون المدني جاهلاً بالعدوان، بل قد يكون معارضاً له، بل قد يكون أغلب المدنيين معارضين للعدوان، ودلالة النصوص قطعية على أن الرسالة رحمة بالخلق وأن غايتها هدايتهم لا قتلهم، وعلى أن أحكام القتال كلها مبنية على منع عدوان الكفار وسد ذرائعه والمعاملة بالمثل كما سبق في مبحث؛ سبب مشروعية الجهاد، وثمة مزيد تفصيل في مبحث؛ سبب مشروعية الإرقاق.
وأما ما ورد من الأمر بقتل كل من أنبت من بني قريظة إن صح فيُحمل على أن كل رجالهم كانوا مشاركين في القتال، يدل على ذلك أن حكم قتلهم كان إقراراً لقول سعد بن معاذ رضي الله عنه: (فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم).
قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان، والراهب والشيخ الكبير، والأعمى والزمن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله) [1]، وقال أبضاً: (وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس، ما يُحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: {والفتنة أكبر من القتل}، أي أن القتل، وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه) [2].
وأما فتوى بعض المعاصرين بجواز المعاملة بالمثل في استهداف النساء والأطفال فتُعد من زلات العلماء، وذلك لأنه قول محدث لم يقل به أحد من السلف أو السابقين، وقد حدث استهداف النساء والأطفال في عدوان الكفار من التتار وغيرهم على المسلمين.
وقد كان استهداف النساء والأطفال موجوداً قبل الرسالة قطعاً، وقد دلت النصوص على تحريم قتلهم مع احتمال وجود استهدافهم من بعض الكفار أيام الرسالة.
ولا يُقاس القتل على الأسر ولا على الدية على العاقلة في المؤاخذة بجريرة الغير للفارق بين الأصل والفرع، ولأن في الأسر مصلحة للأسير بدخوله في الإسلام أو بتعجيل بعض العقوبات له في الدنيا إذا استمر على كفره.
هذا إضافة إلى ما في الأسر من مصالح للمسلمين، وهو عقوبة للمقاتلين من الكفار ونكاية فيهم وليس عقوبة للأسرى من غير المقاتلين لما سبق.
المصادر
[1] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج28/ص354)، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج28/ص355)، الطبعة السابقة.
[2] مجموع فتاوى ابن تيمية (ج28/ص355)، الطبعة السابقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق