حكم قيام جماعة دعوية

رجوع إلى قسم منهج وإصلاح

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وصحبه ومن استن بسنتهم إلى يوم الدين.
القول بأن وسائل الدعوة توقيفية أيسر في الفهم لأنها عبادة، ولكن الأصل فيها الإرسال إلا لنص، وتقييد المُرسل أو المطلق بدعة كإرسال أو إطلاق المقيد، ولذا أفتى العلماء بجواز ترجمة خطبة الجمعة ومنع ترجمة الأذان، لأن الأذان مقيد بنص يبدأ بالتكبير وينتهي بالتهليل، بينما صيغة الخطبة مطلقة.
والفرق بين مرسلة وغير توقيفية؛ أن المصالح المرسلة يُشترط للعمل بها عدم وجود الباعث المقتضي للفعل في عهد الرسالة أو وجود مانع من فعلها على عهد الرسالة، بينما غير التوقيفي هو ما كان الأصل فيه الإباحة من أمور الدنيا فلا يشترط لفعله شروط المصلحة المرسلة.
والمصالح المرسلة هي وسائل العبادات التي أرسلها الشارع، ودخلت في أحكام العبادات من جهة أن الوسائل لها أحكام المقاصد، ولولا ذلك لكان حكمها الإباحة في الأصل، ومن أمثلتها؛ حفر الخندق، وجمع المصحف، وقواعد علم الحديث، وتبويب العلم، وتقسيم المعاني الشرعية بالاستقراء.
إطلاق وسائل العبادة التي  جعلها الشارع مرسلة هو من جهة أصلها لا من جهة صفة فيها، فخالفت الإطلاق في العبادة المحضة من هذا الجانب.
وبما أن الدعوة عبادة، فلا يصح فيما أظن القول بأن بعض وسائلها غير توقيفية، وذلك لأن العبادات توقيفية، ووسائل العبادة عبادة، ولعل الصحيح أن يقال بعضها مرسلة وبعضها مقيدة من جهة أصلها وصفات فيها، فخطبة الجمعة مثلاً مقيدة من حيث الوقت ومطلقة من حيث الصيغة، بخلاف الأذان فهو مقيد بصيغة، وخطبة الجمعة وسيلة دعوية تعليمية، والأذان وسيلة دعوة لعبادة.
من حجج المانعين من إنشاء جماعة دعوية بالطريقة المعاصرة أن مثل هذا العمل لم يؤثر عن السابقين مع وجود حالات شبيهة بحالنا، وأن القول بأنهم غفلوا عنه لا ينبغي في حق السابقين.
ويظهر عدم صحة هذا القول، وإلا لصح القول بأن مناهج البحث الحديثة في العلوم الشرعية بدعة، وكذلك الطرق الحديثة في إدراة الجامعات الإسلامية ونحو ذلك مما وجد المقتضي له في عهد السابقين ولم يوجد مانع منه في عهدهم من وسائل العبادات.
فاشتراط عدم وجود المانع والمقتضي في المصالح المرسلة هو بالنسبة إلى عصر الرسالة والتشريع لا إلى ما بعده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجوداً، لو كان مصلحة ولم يفعل، يعلم أنه ليس بمصلحة) [1].
ولا فرق يُذكر بين تسمية التنظيم جمعية أو جماعة أو مركز، فالعبرة بالحقائق والمسميات لا بالأشكال والأسماء، فقد وُجد التعصب للمراكز والجمعيات والمشايخ والعلماء وأئمة الفقه كما وجد التعصب للجماعات.
الجماعة والجمعية معناهما واحد لغةً، وأما من حيث الاصطلاح العرفي فالجماعة فرقها من الجمعية والمركز ونحو ذلك هو أن الجماعة عادةً ما تجتمع على رأي أو فكر أو منهج أو عقيدة، والجمعية تجتمع عادةً على أمر متفق عليه بين الناس كالخدمات الاجتماعية.
والمعلوم أن الجماعات السنية اجتمعت على منهج دعوي وعقدي وتعبدي تمايزت به عن أهل الأهواء والبدع والجماعات التي داخلتها البدع والأهواء وجعلت تلك البدع أصلاً في دعوتها، واجتمعت كذلك على ما اتفق عليه المسلمون وعلى خدمة المجتمع، فهي جماعات وجمعيات اصطلاحاً.
فكما أن الجمعيات ليس الغرض منها التفريق فكذلك الجماعات السنية ليس الغرض منها التفريق، وإنما التعاون وحب الخير لكل الناس بدعوتهم إلى التوحيد والسنة إضافة إلى العناية بالمسائل المتفق عليها وخدمة المجتمع.
ويجوز الانتساب إلى الجماعة إذا عرفت بتميز منهجها عن المناهج البدعية، فقول هو من أنصار السنة مثلاً هو مثل قول هو سلفي أو هو سني، ولكن من غير تعصب للأسماء، فحتى اسم السلفية قد نهى العلماء عن تفريق المسلمين به على أمور اجتهادية أو خفية دقيقة تعصباً للآراء والرجال.
وأما كلمة الحزب فهي تحمل معنى الولاء والبراء، وهما سبب الغلبة لما فيهما من تناصر أهل الحق على مخالفيهم؛ {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
وفي الآية معنى البراء من الكافرين، لأن سابقتها حصرت الولاء بأداة الحصر "إنما" حصراً حقيقياً؛ {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَهُم راكِعونَ} [المائده:  ٥٥].
فالحزب هو الجماعة التي يُعقد على مميزاتها ولاء وبراء.
والولاء والبراء بقدرهما الشرعي يجب أن يكونا على الأصول المنهجية الواضحة الجلية التي يلتقي عليها تنظيم أو جماعة مسجد أو مركز أو شيخ أو أي تجمع كان، ولا ينبغي أن يكون الولاء لمجرد الالتقاء الشكلي ولا على المسائل الخفية ولو كان الخفاء نسبياً في بلدة أو مجتمع سلفي.
والقدر الشرعي هو أن يكون الولاء بقدر ما في الرجل والجماعة من طاعة وسنة، وأن يكون البراء بقدر المعصية والبدعة.
والجماعة تطلق على المتشاكلين في أمرٍ كالعقيدة والرأي والجنس، ولا تستلزم براءاً من مخالفيها.
وكل اجتماع ديني أو دنيوي لابد فيه من خصوص صلةٍ أو محبة أو تناصر من غير استلزام براء من مخالف.
فالتحزب إنما هو بمعاداة المخالف فيما لا ينبغي أن يعادى فيه ونحو ذلك مما فيه مخالفة للشرع.
ولذا فكل حزب جماعة وليست كل جماعة حزباً.
فعقد الولاء والبراء بين أفراد الجماعة من أهل السنة لا ينبغي أن يكون إلا فيما التقت عليه من عقيدة وأصول واضحة لأهل السنة والجماعة، وبقدرهما الشرعي.
وأما الحزب فيجب أن يكون حزباً واحداً لا أحزاباً متعددة، وهو جماعة المسلمين وإمامهم، فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام، فاعتزال الفرق والأحزاب ولو بالعض على أصل شجرة، وهو الأصول الجلية لأهل السنة والجماعة، والجماعة هي التمسك بالحق ولو كان الرجل وحده.
ويجوز في العمل الجماعي المنظم وضع لوائح لتنظيم العمل، ويشترط في اللوائح ألا تخالف الشرع، والعهد بين جماعة من المسلمين ليس تفريقاً بين المسلمين إلا إذا كان فيه مخالفة للشرع وتعصب لمجرد الاسم والتنظيم وعقد ولاء وبراء على مجرد التنظيم والاسم لا على ما يحمله التنظيم من منهج تمايز به عن أهل البدع.
النسبة إلى جماعة سنية هي نسبة إلى السنة، مثل النسبة إلى أهل السنة، ولذا نجد في السودان مثلاً أن عامة السودانيين ينسبون كل سلفي إلى جماعة أنصار السنة المُحمدية لأنها أبرز وأول تجمع تمايز عن أهل البدع والأهواء.
والنسبة إلى جماعة سنية لا يلزم منها جواز النسبة إلى الإخوان والتبليغ ونحوها من الجماعات، بل يلزم منها عدم جواز الانتساب إلى من يخالف أصول الجماعة السنية ومنها منهج الدعوة والإصلاح.
والولاء الخاص لجماعة سنية إذا كان بسبب تميز في المنهج لا يعارض الولاء لباقي السلفيين خاصة وللمسلمين عامة.
وتوجد فتوى للجنة الدائمة حول أنصار السنة نصت على تسميتهم "جماعة" ولم تُنكر هذا الاسم في؛ فتاوى اللجنة الدائمة (ج2/ص321) [2].
وللعمل من خلال جماعة دعوية شروط، منها ما يلي:
يجب أن يكون الولاء في المعاني والمسميات المشروعة لا الأشكال والأسماء، والولاء على مجرد الاسم والشكل يدل على نقص في الإخلاص لمنهج الجماعات والتنظيمات وغلبة المصالح الشخصية.
لا يجوز التعصب لآراء الجماعة ولا اعتقاد العصمة في اختياراتها، ولا فرق في حرمة التعصب بين التعصب لشيخ أو لجماعة أو مذهب أو مركز أو غير ذلك من الكيانات والأشخاص والجهات.
لا بأس بالسرية للحذر من أثر النفاق والاختراق، ولا يجوز العمل السري الذي يتضمن غدراً بالعهود، ويشمل ذلك؛ بيعة السلطان المسلم الحارس لأصل الدين، والعلاقة المشروعة مع حكومات وطنية تغلب عقد المواطنة على الإسلام، والعلاقة مع حكومات غير مسلمة مثل ما لا يخالف الشرع من عقود الإقامة والمواطنة.
ولا يجوز العمل السري المبني على النظام الهرمي الذي تَعرِف فيه الخلية أو الأسرة أميرها ولا تعرف أميره، وذلك لعدم جواز طاعة من لا يُعرف دينه وعدالته.
لا يجوز أن تنازع الجماعة الدعوية السلطان خصائصه وأعماله المعروفة بمقتضى العلاقة معه سواء كانت شروطاً نصية أو عرفية.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأربعاء 18 محرم 1440هـ، 28 سبتمبر 2018م

المراجع

[1] اقتضاء الصراط المستقيم (ج2/ص101)، ت؛ ناصر العقل، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة السابعة، 1419هـ - 1999م.
[2] فتاوى اللجنة الدائمة (ج2/ص321)، جمع وترتيب؛ أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الناشر؛ رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الإدارة العامة للطبع، الرياض.

رجوع إلى قسم منهج وإصلاح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق