المحتويات
١. لمحة تاريخية
٢. أثر علماء مصر في السودان والسعودية
٣. الحركيون واختلاف الأمصار
٤. زلات خدام السنة وقت غربتها
٥. مصطلح السلفية
٦. كلمة نتعاون ونعذر هي لرشيد رضا
٢. أثر علماء مصر في السودان والسعودية
٣. الحركيون واختلاف الأمصار
٤. زلات خدام السنة وقت غربتها
٥. مصطلح السلفية
٦. كلمة نتعاون ونعذر هي لرشيد رضا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
أثر زمن نشأة السعودية الثالثة وأنصار السنة في مصر والسودان، وأثر بلد وزمن نشأة حركة الإخوان المسلمين، وزلات خدام السنة زمن غربتها.
يخطئ من يظن أنّ أول من أنشأ تنظيماً دعويّاً قطريّاً بطريقة المركز والفروع هم الإخوان المسلمون [١].
أسس الشيخ محمد ثناء الله الأمرِتْسَري رحمه الله جمعيّة أهل الحديث في شبه القارة الهنديّة سنة ١٩٠٦م (١٣٢٤هـ).
ضم الملك عبدالعزيز رحمه الله الحجاز إلى نجد عام ١٩٢٦م، وكان قد استولى على الرياض عام ١٩٠٢م، ووحد المملكة عام ١٩٣٢م.
أسس الفقي رحمه الله جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة ١٩٢٦م.
أسس محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله جماعة التبليغ سنة ١٩٢٦م.
أسس حسن البنا رحمه الله جماعة الإخوان المسلمين سنة ١٩٢٨م.
أسس الشيخ عبدالحميد بن باديس رحمه الله جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يوم ٥ مايو سنة ١٩٣١م.
تأسست جماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان سنة ١٩٣٩م.
أسس أبو الأعلى المودودي رحمه الله الجماعة الإسلامية في القارة الهندية سنة ١٩٤١م.
دخلت الدعوة السلفية السودان عن طريق الشيخ عبدالرحمن بوحجر الجزائري حوالي عام ١٩١٠م في مدينة النهود.
انتقل الشيخ عبدالرحمن بوحجر من السودان إلى مصر بعد أن طرده الإنجليز من السودان بسبب فتواه بحرمة القتال في صفوف الجيش الإنجليزي ضد سلطنة دارفور المسلمة، ثم انتقل من مصر إلى السعودية.
بعد تأسيس جماعة أنصار السنة ووضع نظام أساسي لها؛ وضعت على دار أمينها العام عمر يوسف أغا لوحة مكتوب عليها المركز العام لجماعة أنصار السنة المحمدية.
وقد ضمت الجماعة السلفية في السودان حينها عدداً قليلاً كانوا يعرفون بأسماء مختلفة؛ كجماعة حسون في العاصمة والوسط، وجماعة التوحيد في بورتسودان.
وفي سنة ١٩٤٧م استأجرت الجماعة داراً بحي أبو روف قريباً من نهر النيل.
ولد الشيخ الفقي رحمه الله تعالى عام ١٨٩٢م.
ولد حسن البنا رحمه الله تعالى عام ١٩٠٦م.
فكان عمر الفقي ٣٤ سنة عندما أسس أنصار السنة، وكان عمر حسن البنا ٢٢ سنة عندما أسس الإخوان المسلمين.
وسمعت الشيخ الهدية رحمه الله يقول بأن تاريخ ميلاده في شهادة الميلاد التي يظن أنها تسنين عام ١٩٠٩م، بفارق ثلاث سنوات من ميلاد حسن البنا رحمه الله.
كان من كبار علماء أنصار السنة في مصر؛ الشيخ المحقق الفقي، والشيخ المحدث أحمد شاكر، والشيخ الفقيه عبدالرزاق عفيفي الذي تولى عضوية لجنة الإفتاء وهيئة كبار العلماء في السعودية فيما بعد، وكانوا أعضاء في هيئة كبار علماء أنصار السنة.
وفضل دعوة التوحيد والسنة - والفضل لله وحده - يعود في العصر الحديث لإمام الدعوة ومجدد الدين محمد بن عبدالوهاب وإمام نجد والحجاز محمد بن سعود، رحمهما الله.
غير أن دعوة التوحيد والسنة وصلت السودان عن طريق عالم جزائري أولاً، ثم استفادوا من علماء مصر ثانياً ثم استفادوا بعد ذلك من علماء السعودية والشام (الألباني) وعلماء الهند (صديق حسن خان) واليمن (الشوكاني والصنعاني).
قال الشيخ الهدية رحمه الله: (علاقتنا بعلماء السعودية قديمة، ولم نعرف أو نسمع بالشيخ محمد بن إبراهم آل الشيخ رحمه الله إلى أن دعاني الشيخ عبدالله الملحوق وعرض علي خطاباً كتبه سوداني لمفتي عام السعودية قال فيه: (الهدية والشيخ ناجي هم حراس الدعوة السلفية في السودان)).
وقد كان عامة السلفيين في السودان فضلاً عن خاصتهم يقرؤون مقالات وكتب علماء مصر؛ مجلة التوحيد لأنصار السنة، مجلة المنار لرشيد رضا، وكتب درويش والوكيل وشاكر والفقي، وكتب علماء اليمن، وكتب علماء الهند، وكتب محمد بن عبدالوهاب وجميل زينو والألباني، ثم من بعدهم.
وقد استفادت السعودية الثالثة من علم وخبرة علماء أنصار السنة بمصر الإدارية في المجالات الشرعية كالجامعات الإسلامية ونحوها من المؤسسات الحديثة، وأذكر منهم؛
١. الشيخ عبد الظاهر أبو السمح إمام سابق للحرم المكي، ومؤسس دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة.
٢. الشيخ عبد الرزاق عفيفي عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية سابقاً.
٣. الشيخ عبد الرزاق حمزة عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سابقاً.
٤. الشيخ عبدالرحمن بوحجر الجزائري مدرس سابق بالمسجد الحرام، وهو من أدخل السلفية في السودان.
وربما يكون اسم هيئة كبار العلماء بالسعودية مستنسخ من اسم هيئة كبار العلماء في جمعية أنصار السنة في مصر.
ثم استفادت الأجيال التي تلت الرعيل الأول بكثير في السودان من تلاميذ الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، وذلك لفارق العمر وخلافة العلم.
وممن استفاد من علماء مصر الشيخ عبدالحميد بن باديس رحمه الله، وله فضل - والفضل لله وحده - في الدعوة السلفية في الجزائر، ويعده الجزائريون من رموزهم الوطنية، ومن شيوخه الشيخ الفقي والشيخ محمد رشيد رضا رحمهما الله.
ولا تصح تهمة إغراء السلفيين بالمال، فقد ذكر الشيخ الهدية رحمه الله تعالى ما شاهده من فقر في الحجاز، وكان قد ذكر في لقاء تلفزيوني أن أول حجة له كانت سنة ١٩٤٦م.
كان أدرى الناس بحركة الإخوان المسلمين في بداياتها أهل بلد نشأتها.
وقد استفاد التويجري رحمه الله معرفة حال جماعة التبليغ من أهل الحديث في الهند، كما أشار إليه في مقدمة كتابه.
ولاستفادة مشايخ أنصار السنة في السودان من علماء مصر أولاً، فقد كانت معرفتهم بالحركيين قديمة.
وقد دخلت جماعة الإخوان السودان منذ بدايات نشأتها، وكان عملها فيه معلناً لأن النشاط الحزبي فيه مسموح به.
وأذكر أنني كنت أسمع في بداية الثمانينات الشيخ الهدية رحمه الله يقول عن الخلاف مع الإخوان: "خلافنا معهم أصولي"، وكنت أسمع وقتها الشيخ أبوزيد رحمه الله يقول عن الإخوان المسلمين: "الفرق بيننا وبينهم فرق الليل والنهار، والبعد بيننا وبينهم بعد المشرقين".
وهذه مجرد حدة في العبارة، فلم يكن الشيخ أبوزيد غالياً في الحكم على الحركيين.
ولعله أخذ حدة التعبير عن شيخه الفقي، فيقال أن الفقي كان يقول للإخوان؛ لكم دينكم ولي دين، والمقصود النهج وليس دين الإسلام لأنه لم يكن يكفرهم.
وقد تتلمذ أبوزيد على الفقي لمدة ١٧ سنة (١٩٤٢م - ١٩٥٩م).
وسمعت الشيخ الألباني رحمه الله في إحدى أشرطة الهدى والنور يقول ما معناه: (زرت مصر فقابلت الفقي، فسألته عن الإخوان، فقال لي: الخوان؟ فاستعظمتها، وقلت له إن كنت تقصد إخوان مصر فأنت أدرى بهم، وأما إخوان سوريا فهم أهل سنة).
وقد أدرك الشيخ الألباني حال إخوان سوريا فيما بعد.
ولسرية تنظيم الإخوان وعدم السماح بالنشاط الحزبي في السعودية؛ كانت معرفة أهلها بالحركيين محدودة.
ولعل من أسباب تسوية فتاوى علماء السعودية القديمة بين الإخوان وأنصار السنة وأهل الحديث ما وجدوه في مقالات الإخوان من ذم للتعصب المذهبي والخرافات.
ففي زمن ضعف الدعوة ووصفها بالوهابية والخامسية قد يضعف الانتباه إلى أن غرض بعضٍ من ذم التعصب المذهبي الزيادة في توسيع باب الاجتهاد أو التحرر من نهج السلف.
وكان الشيخ ربيع من أوائل من تحدث من أهل السعودية في نهج الإخوان وتنظيمهم السري وطرقهم الخفية، لأنه كان في تنظيمهم لإحدى عشرة سنة.
في الطبعة الأولى التي كانت بتقريظ الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف من كتاب "منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل"؛ قال الشيخ ربيع عن سيد قطب: (رجع إلى عين منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله).
وقد حُذفت هذه العبارة وحُذف تقريظ اليوسف من طبعات لاحقة.
تعجبتُ وقتها في مدح سلفي سيد قطب بهذه الطريقة، وأظن أنني قرأت الكتاب عام ١٤٠٨هــ الموافق ١٩٨٨م، ولم أسمع قبل ذلك بالشيخ ربيع.
وكان المدخلي في تنظيم الإخوان غير مدرك أمرهم في وقت كانت دعوة مشايخنا في السودان متمايزة عنهم مدركة حالهم [٢].
العلماء يعذرون أهل الفضل من خدام السنة وقت غربتها أكثر من غيرهم إضافة لاعتبار عصرهم ومصرهم ومن تتلمذوا عليهم [٣].
بسبب تتلمذ الشيخ الفقي على الشيخ رشيد رضا رحمهما الله، فقد تأثر به في إنكار السحر والعين وتلبس الجني بالإنسي.
ولم يبدع العلماء الفقي رغم أن بعضهم كرروا نصحه، حتى وصفه أحمد شاكر بالمتعالم في رد عليه، ولكنهما سرعان ما تصالحا، وظلا يعملان معاً في الجماعة.
ولم يبدع العلماء كذلك الشيخ رشيد رضا رحمه الله بسبب هذه الزلات وغيرها.
قال الشيخ الألباني عن الشيخ رشيد رضا رحمهما الله: (هذا الرجل الذى فى اعتقادى له المنة على كثير من أهل السنة فى هذا الزمان بسبب إشاعته لها ودعوته إليها فى مجلته المعروفة بالمنار حتى وصل أثرها إلى بلاد كثيرة من بلاد الأعاجم المسلمين، لذلك أرى هذا فيه غلو من الكلام لاينبغى أن يصدر من مثل أخينا مقبل) [٤].
ومن اعتبار الفضل وخدمة السنة زمن غربتها إعذار إمام الدعوة ومجدد الدين محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في إطلاقه القول بأن من نواقض الإسلام مظاهرة المشركين على المسلمين [٥].
قال الإمام الشافعي رحمه الله: (وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين، فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً؟ قال قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب، فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه، فذكر حديث حاطب رضي الله عنه) [٦].
وقد نص العلماء على أن زلة العالم مما يهدم الدين، وجمعوا بين اعتبار فضل أهل الفضل والتحذير من زلاتهم.
لعل أول من أشاع مصطلح السلفية هو رشيد رضا ثم الألباني، والتمايز باسم مقبول لا يضاد وحدة أهل القبلة.
كلام ابن تيمية رحمه الله في الانتساب للسلف يدل على أن ثمة من كان يكرر النسبة إليهم على وجه قريب من المصطلح المعاصر.
قال ابن تيمية رحمه الله: (وإن أردت بالتستر؛ أنهم يجتنون به ويتقون به غيرهم ويتظاهرون به حتى إذا خوطب أحدهم قال: أنا على مذهب السلف - وهذا الذي أراده والله أعلم - فيقال له: لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق) [٧].
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريق السلفية أصلاً) [٨].
ثم وجدت ما توقعته بالبحث، فقد استعمل الذهبي (ت ٧٤٨) رحمه الله لفظة السلفي، فبسبب تعليق وردني بحثت بكلمة السلفي بقيد الذهبي للمؤلف في تطبيق تراث.
فكان أكثر ما ظهر لي من نتائج كلمة السِّلَفي (بكسر السين) في ترجمة أبي طاهر السِّلَفي.
ثم كتبت سلفي و سلفياً فوجدت أن الذهبي استعملها في ترجمة أعلام، من ذلك ما يلي:
قال في ترجمة شرف الدين أبو العباس النابلسي: (سلفي النحلة، ذكر لنا الشيخ تقي الدين ابن تيمية أنه قال قبل موته بثلاثة أيام: اشهدوا أني على عقيدة أحمد بن حنبل) [٩].
وقال في ترجمة ابن الصلاح: (وكان سلفيّاً حسن الاعتقاد كافّاً عن تأويل المتكلمين) [١٠].
وقال في ترجمة السِّلفي (بكسر السين) (فالسِّلَفي مستفاد مع السَّلفي -بفتحتين- وهو من كان على مذهب السلف) [١١].
وكنت أظن أن أول من أشاع استخدام لفظ السلفية بتكرار واضح (مصطلح) هو الألباني رحمه الله، فقال لي أحد إخواننا أن الألباني ربما أخذها عن رشيد رضا وأن سبب ظنه هذا أمران هما؛
١. أن رشيد رضا كان يكررها في مجلته المنار.
٢. أن حركة رشيد رضا كانت تسمى الحركة السلفية عند الكتاب المصريين.
فبحثت بكلمة السلفية في مجلة المنار على تطبيق تراث، فكان مما وجدت التالي؛
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى: (وأما الجمعية السلفية الحوامدية فهي تمتاز باشتغال رئيسها بكتب الحديث والدعوة إلى الاهتداء بها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأدلة كتب السنة، فأعضاؤها يتناهون عن جميع البدع والمنكرات في الدين، وينكرون على كل من يزعم أن البدعة الدينية تنقسم إلى حسنة وسيئة، ولا يقبلون قول أحد من الأحياء ولا الميتين في تحسين بدعة ولا تأويل سنة مما اهتدى به السلف، وهم لم يتخذوا جماعتهم عصبية ولا كتب مؤسسها مذهباً يتعصبون له كالسبكية، بل يقبلون نصيحة كل من ينصح لهم بعلم ويقبلونها. وقد جربت مرشدهم وداعيتهم بالنصيحة فألفيته يقبلها مغتبطاً مسروراً داعياً) [١٢].
وجاء في ترجمة كاتب مقال - لعل المترجم هو رشيد رضا - : (الشيخ محمد عبد القادر الهلالي وهو عالم سلفي مستقل لا يتعصب لمذهب من المذاهب مطلقاً) [١٣].
وقال رشيد رضا: (مجموع تسعة كتب ورسائل سلفية) [١٤].
وقال في ترجمة الشيخ أبو بكر خوقير: (وهو لم يتعرف إلى الملك عبد العزيز آل سعود إمام السلفيين ولم يطلب منه مساعدة ولا وظيفة على كونه أكبر علماء السلفيين وفقهاء الحنابلة في الحجاز) [١٥].
ومما جاء في خطاب موجه لرشيد رضا؛ (وقلت لهم بأني سأسعى لإصلاح هذا الشأن بواسطة أكبر مصلح في العالم الإسلامي ومحبوب لدى الحكومة السلفية، ومسموع الكلمة وهو الأستاذ محمد رشيد رضا) [١٦].
ويجب تمايز أتباع السلف عن غيرهم بالاسم والاجتماع الخاص، سواء باسم السلفيين أو باسم أهل السنة والجماعة.
هذا مع وجوب اجتماع أهل القبلة بطاعة رئيس البلاد المسلم (الذي يجب أن يكون منتخباً) المقيم لأصل الدين؛ الشهادتين والصلاة في المنشط والمكره.
فإذا تغلب رئيس البلاد بتحكمه في مفاصل الدولة، فالسلفيون لا ينزعون يداً من طاعة درءً للأضر وحفظاً للبيضةودرءً لاستغلال الأعداء الصراع الداخلي.
فهم يتنازلون حتى عن بعض الحق الذي يلزم في الأصل التمسك به لأجل الوحدة الوطنية عامة ووحدة أهل القبلة خاصة (لا، ما أقاموا فيكم الصلاة).
مقصد رشيد رضا بعبارة نتعاون ونعذر ليس مثل مقصد تلميذه حسن البنا، ولابد للسلفيين من اجتماع خاص لا يضاد اجتماع أهل القبلة.
العبارة المنسوبة لحسن البنا؛ "لنجتمع فيما اتفقنا فيه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"؛ هي عبارة شيخه رشيد رضا.
قال رشيد رضا في إطار رده على الشيعة؛ (وأما رأيي في الاتفاق فهو قاعدة المنار الذهبية التي بيناها مراراً وهي؛ "أن نتعاون على ما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه") [١٧].
ويدل على أنه لم يقصد السكوت عن انحرافات الشيعة قوله في الصفحة التالية للكلام السابق: (هذا، وإننا لا نعرف أحداً من علماء أهل السنة المتقدمين ولا المعاصرين يطعن في أحد من أئمة آل البيت عليهم السلام، كما يطعن هؤلاء الروافض في الصحابة الكرام، ولا سيما أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وفي أئمة حفاظ السنة كالبخاري ومسلم، وكذا الإمام أحمد إمام السنة وشيخ كبار حفاظها وشيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي وابن حجر وغيرهم، فإنهم يعدونهم من النواصب لعدم موافقتهم لجهلة الروافض).
وهذا مما يؤكد أنه قصد بالتعاون والإعذار؛ التعاون في الخير المتفق عليه والإعذار الأخروي في المختلف فيه، وليس السكوت عن الخطأ خشية الفرقة.
فهي دعوة للتعايش السلمي ونبذ قتال الفتنة والغلو، ولكنها دعوة تتضمن دعوة الشيعة عموماً بالتي هي أحسن إلى منهج الحق والعدل والذي هو منهج أهل السنة والجماعة.
فلابد لأهل السنة والجماعة من اجتماع خاص وتمايز عن أهل البدع والجماعات التي داخلتها البدع والأهواء.
والتمايز لا يضاد توحد أهل القبلة واجتماعهم.
فالأهم في الاجتماع والتعاون بين أهل القبلة هو في طاعة رئيس البلاد المسلم المقيم لأصل الدين (الشهادتين والصلاة) في المنشط والمكره.
وأما مؤسس جماعة الإخوان المسلمين؛ فقد ركز على؛ إعادة أيام العزة، وتوحيد المسلمين على الدين قبل الأوطان، وطرد المستعمرين، ومحاربة الغزو الثقافي الحديث دون القديم (ما نتج من ترجمة كتب اليونان والتشيع والخروج بسبب الزنادقة والمنافقين).
فأهمل ما عدا ذلك مهما كان مهماً، وصرّح بذلك في كلماته وكتبه، فحرص على التجميع بين أهل السنة والمبتدعة فيما لا يمكن اجتماعهم فيه (مثل الجماعات الدعوية والسياسية)، واغترَّ بفكرة التقريب بين السنة والشيعة.
فقد ركز مؤسس جماعة الإخوان المسلمين على السياسة وكأنها غاية لا وسيلة، ودعا إلى إعادة الحكم بالإسلام مجملاً مع جهلٍ بأن أولى الواجبات في الحكم بالإسلام؛ الدعوة إلى الشهادتين ثم إقامة الصلاة.
ومسائل الإيمان والتوحيد التي خالف فيها أهل البدع داخلة في العناية بالشهادتين.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الأربعاء ٢٩ جمادى الأولى ١٤٤٥هـ، ١٠ يناير ٢٠٢٤م.
لوند، السويد
الأربعاء ٢٩ جمادى الأولى ١٤٤٥هـ، ١٠ يناير ٢٠٢٤م.
المراجع
[١] ذم الحزبية لا الجماعية.
[٢] الإخوان بين اليوسف والمدخلي وأنصار السنة.
[٣] الغلو في التبديع.
[٤] موقع أهل الحديث والأثر.
[٥] حكم من عاون مشركين على المسلمين.
[٦] الأم للشافعي (ج٤/ص٢٦٤)، ط. الفكر.
[٧] مجموع الفتاوى (ج٤/ص١٤٩).
[٨] مجموع الفتاوى (ج٥/ص٢٨).
[٩] تاريخ الإسلام (ج١٥/ص٧٨١).
[١٠] تذكرة الحفاظ (ج٤/ص١٤٩).
[١١] سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (ج٢١/ص٦).
[١٢] مجلة المنار (ج٣٤/ص٤٧٩).
[١٣] مجلة المنار (ج٢٨/ص٧٧٦).
[١٤] مجلة المنار (ج١٤/ص٩٤٥).
[١٥] مجلة المنار (ج٣١/ص٣٢٠).
[١٦] مجلة المنار (ج٢٩/ص٧٥٩).
[١٧] رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا (ج٢/ص١١٧).
[٢] الإخوان بين اليوسف والمدخلي وأنصار السنة.
[٣] الغلو في التبديع.
[٤] موقع أهل الحديث والأثر.
[٥] حكم من عاون مشركين على المسلمين.
[٦] الأم للشافعي (ج٤/ص٢٦٤)، ط. الفكر.
[٧] مجموع الفتاوى (ج٤/ص١٤٩).
[٨] مجموع الفتاوى (ج٥/ص٢٨).
[٩] تاريخ الإسلام (ج١٥/ص٧٨١).
[١٠] تذكرة الحفاظ (ج٤/ص١٤٩).
[١١] سير أعلام النبلاء، ط الرسالة (ج٢١/ص٦).
[١٢] مجلة المنار (ج٣٤/ص٤٧٩).
[١٣] مجلة المنار (ج٢٨/ص٧٧٦).
[١٤] مجلة المنار (ج١٤/ص٩٤٥).
[١٥] مجلة المنار (ج٣١/ص٣٢٠).
[١٦] مجلة المنار (ج٢٩/ص٧٥٩).
[١٧] رسائل السنة والشيعة لرشيد رضا (ج٢/ص١١٧).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق