المبحث السادس؛ العلاقات الخارجية

تتبنى الأطروحة التشوقية الآراء الراجحة حول الحرب والسلم في الإسلام من آراء العلماء سلفاً وخلفاً، وذلك وفقاً لدلالات النصوص والسيرة النبوية الصحيحة.
ومن تلك الآراء الراجحة؛ أن الأصل في العلاقات الخارجية السلم وليس الحرب، وأنَّ الأصل في العلاقات الإطلاق وليس التأقيت.
والمقصود بالعهد المُطلق الذي لم يُنص فيه على مدته، والمؤبد هو الذي يُنص فيه على التأبيد، والمؤقت هو الذي تُحدد مدته في نص العهد.
ومما تتبناه التشوقة من الآراء الراجحة؛ أنَّ الأصل في العلاقات اللزوم وليس الجواز، فلا يجوز لأحد طرفي العهد إلغاءه إلا لسبب.
ومن أسباب جواز إلغاء العهود خوف الخيانة، وخوف الخيانة يكون بظهور أماراتها لاحقاً أو سابقاً، ومن الأسباب السابقة؛ الحرب وتكرار الغدر قبل قوة المُسلمين.
ولا يجوز إعلان الحرب بسبب خوف الخيانة وحدها، فلابد أولاً من إعلام المعاهد بإلغاء العهد، وذلك بقطع العلاقات الدبلوماسية.
وهذا في حال عدم حدوث خيانة، فإذا حدثت خيانة، فإن العهد قد انتقض بالخيانة، فتجوز مباغتة الغادر ولا يشترط إعلامه بشيء.
وتتبنى التشوقة القول بأن العلاقة مع المحاربين والمعاونين لهم محرمة لغيرها، وبالتالي فإنها تجوز لتحقيق مصالح حاجية أو ضرورية راجحة، وذلك حسب الحال الداخلي والعلاقات الخارجية الأخرى المؤثرة.
وبناءاً على ما سبق فإن التشوقة تتبنى جواز الدخول في المعاهدات الدولية والإقليمية المعاصرة؛ كالأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي وعلاقات حسن الجوار.
ويتبع ذلك جواز ما يترتب على تلك العلاقات من تبادل التمثيل الدبلوماسي والعلاقات التجارية والاقتصادية ونحو ذلك من المصالح الدنيوية المُتبادلة.
فالراجح من أقوال العلماء أن سبب تشريع الجهاد بمعنى مقصده وحِكمته هو مَنْعُ عدوان الكفار وصدهم عن الدين والدعوة إليه.
يدل على ذلك النصوص التي تحرض المؤمنين على الجهاد معاملةً بالمثل؛ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ الله عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، {وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ}، {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}، {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}، {وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}.
وأما علة تشريع الجهاد، فالراجح أنها مركبة من وصفين، يختلف الثاني حسب نوع الجهاد، فجزء العلة الأول في كلا نوعي الجهاد الكفر، وجزء العلة الثاني في جهاد الدفع المُحاربة، وأما في جهاد الطلب فجزء العلة الثاني هو خوف الخيانة.
وخوف الخيانة يكون بظهور أماراتها لاحقاً أو بمُحاربة سابقة قبل قوة المُسلمين، وفي جهاد الطلب تخيير بين الإسلام والجزية والقتال.
من أدلة جزء العلة الثاني لجهاد الطلب قول الله تعالى ذكرُهُ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}.
والراجح في معنى الآية أنها تشمل كل من له عهد مؤقتاً كان أو مطلقاً، وتشمل أيضاً من لا عهد له باعتبار العهد العرفي لعموم كلمة قوم، ونبذ العهد هو الإعلام بإلغائه، والنبذ يُعرف اليوم بقطع العلاقات الدبلوماسية.
فالآية السابقة هي الأصل في حكم النبذ (قطع العلاقات الدبلوماسية)، ووردت الإشارة إليه في قول الله تعالى: ﴿بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ۝ فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ [التوبة: ١ - ٢].
وقد ذكر المفسرون أن البر هو الصلة في قول الله تعالى ذكرُهُ: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
فإذا أفسد الكفار العلاقات بالمحاربة أو معاونة المحاربين، فقد ورد النهي عن صلتهم في الآية التي تلت الآية السابقة، وهي قول الله جل ثناؤه؛ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
والتولي هنا هو الصلة الواردة في الآية التي قبلها، والنهي هنا هو من باب المُحرم لغيره، والمحرم لغيره يباح لمصالح حاجية راجحة، وسميت صلة المحارب تولياً لأن الأصل فيها الإضرار بالمُسلمين.
للمزيد حول العلاقات الخارجية والأدلة على أن ما سبق هو الراجح؛ مدونتي » إصلاح » الموجزُ اليسير حول شبهاتٍ في الجهاد والتكفير » حكم العهد الملطق، و سبب مشروعية الجهاد، و آيات السيف والقتال في نفس الكتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق