كتبتُ هذا المقال بعد رفع تجميد من وقع باسم الجماعة على الاتفاق الإطاري، وكان سبب الكتابة هو طعن الأستاذ محمد أبوزيد في الجماعة، في محاولة واضح أنها في سبيل تمرير خطته الحالية المتعلقة بالاتفاق السياسي الحالي.
ملخص؛ للأستاذ محمد أبوزيد قدرات خاصة تفوق بها على كثير من أقرانه، ولكنه للأسف استخدمها فيما أدى إلى نزاعات وخصومات.
للأستاذ محمد أبوزيد -بارك الله فيه- قدرات تفوق بها، يبدو أن أكثرها جبلي فطري، فمما تميز به؛ كظم الغيظ، ومعرفة طبائع الأفراد والقبائل والشعوب، وقلة الكلام والجدال مع العناية بالعمل المؤثر، والقدرة على الإقناع، والقدرة على التأثير فيمن حوله، والقدرة التنظيمية، والقدرة على ضبط الألفاظ والتدرج، والقدرة على المداراة.
ولأن لكل عالم بصمته الخاصة؛ كان موت العلماء نقص لا يعوض، ولذا كان موت النبي ﷺ أعظم المصائب [١].
ولذا ورد النهي عن السخرية من الآخرين في قول الله تعالى: ﴿ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن﴾.
فمن قدرات أ. محمد أبوزيد على التأثير الجمعي ومعرفة طبائع الناس؛ قدرة خاصة على معرفة من يخدم مشروعه ومن لا يخدمه واتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولعله أضاف إليها العناية بدراسة طبائع الأفراد والقبائل والشعوب.
ومن قدراته على الإقناع والتأثير أنه قليل الكلام والجدال يميل إلى العمل في صمت، وقلة الكلام مؤثرة عموماً، وهي سنة نبوية.
وقلة الكلام تؤثر حتى مع خطأ التنظير في المسائل الدقيقة لا سيما في الصغار وقليلي العلم والخبرة والاطلاع والمعرفة، فيكتفي بجملة واحدة فيها حض على رأيه مع ترك التصريح به إن كان مما يخالف نهج الجماعة، فيكتفي مثلاً في الحض على الانقلابات بقول؛ "لا سبيل إلى تغيير سياسي إلا عن طريق الصندوق أو الانقلاب".
ومن مقدرته على الإقناع والتأثير استخدامه طريقة التأليف بالكلمة والإحسان والمكافأة، خلافاً لمن يعامل كل البشر بمجرد الإقناع.
ولكن كل من تفوق بخصلة حميدة فإنها تزيد عن حدها قليلاً أو كثيراً، فمن زيادته في المداراة أنه يظن أن كل الناس لن يطلعوا عليها حتى عده كثيرون يسخر بعقولهم، وحبذا الرجوع إلى كلام الشيخ العثيمين رحمه الله في حكم المداراة عند تقدير اطلاع الناس عليها في الرابط رقم [٤].
ولا أعرف الكثير عن قدرات أ. محمد أبوزيد الأكاديمية العلمية، ولكني لاحظت أنه فيما يسميه العمل السياسي أو المشاركة السياسية وغيرها من مسائل الخلاف لا يكاد يتجاوز في طرحه ما يسميه بالموازنات الشرعية مع خلل عنده في ضبطها.
فالموازنات بين الحسنات والسيئات قد تدخل في الاحتياج إذا اقتضت فعل محرم لغيره أو الاضطرار إذا اقتضت فعل محرم لذاته أو ترك واجب [٢].
ولم ألاحظ أن للأستاذ محمد أبوزيد قدرات اجتهادية استنباطية، فكل ما قرأت له أو سمعت منه أو عنه كلام معاد مكرر، فلا أظن أن وصفه بالمنظر صحيح، فلم يأت بتنظير جديد حتى في المجال الذي اعتنى به، وهو مجال السياسة الشرعية، فكل ما يتبناه فيما يبدو هو آليات الديمقراطية الغربية.
وقد شابه الترابي في صفات جبلية، فالترابي كذلك كان براغماتياً عملياً، ولكن أظن أن الترابي تفوق عليه بالذكاء الأكاديمي وكثرة القراءة والاطلاع، والترابي لم يكن كذلك منظراً ولا مفكراً، فلا أظن أن له استنباط أو رأي جديد غير الدمج بين عدد من المناهج، فمثلاً استدلالات الترابي على تجويز الموسيقى منقولة حرفياً من العلامة رشيد رضا رحمه الله وغيره.
ويبدو أن أ. محمد أبوزيد شابه الترابي في اتخاذ المكر صفة أصلية، فليته استفاد من قدراته المتعلقة بالمكر في المكر مقابل المكر [٤]، ومن ذلك أن كل تصريحاته في الشهور الماضية كانت في غير الإعلام الرسمي للجماعة.
ويظهر أنه متعصب لآرائه معتد بها مع قدرة فائقة على إخفاء التعصب والاعتداد بالرأي.
ومن تعصبه لآرائه واعتداده بها التصريح الذي نسب إليه بتاريخ يوم أمس الخميس ٢ / ٣ / ٢٠٢٣م، ١١ شعبان ١٤٤٤هـ، إذ يبدو أنه بغرض فرض الاتفاق الإطاري على جماعة أنصار السنة.
طعن في هذا التصريح في الجماعة بقوله: (لقد تم إعدام جهيمان وبقيت أفكاره تسري وسط الجماعات السلفية في كل أنحاء العالم الإسلامي، وحظيت جماعة أنصار السنة بالسودان بنصيبها من هذه الأفكار، والتي كانت تدعو للبراء من المجتمع المسلم واعتزاله وعدم مشاركته في تقاليده الاجتماعية والسياسية) [٣].
فإن ادعى كعادته عدم صحة نسبة هذا التصريح إليه، فقد نقلت له طعناً سابقاً مماثلاً في الجماعة من لقاء مباشر، فقلت: (واللقاء فيه إساءة واضحة إلى أنصار السنة لأنه يتحدث في الإعلام للعدو والصديق، مثل قوله: "يستصحبون جزءاً من الواقع"، "لو وُضعوا في التجربة لفشلوا مثل غيرهم"، "يركزون على قضايا فرعية"، "نحن أحدثنا تغييراً كاملاً في سلوك الجماعة وليس فقط العمل السياسي وإلا أصبحت الجماعة قاعدة أو داعش") [٤].
وقد قال في تصريح الأمس: (إلى أن ظهرت رؤية الأمير محمد بن سلمان بالمملكة العربية السعودية، والتي أعلن فيها صراحة انه لا مكان لمثل هذه الأفكار بيننا) [٣].
فإن قصد بهذا الإيحاء إلى قادة المملكة بالضغط على المحسنين الذين يدعمون الجماعة لإيقاف الدعم إذا لم توقع الجماعة على الاتفاق الإطاري، فهيهات.
وذلك لأن التوقيع على الاتفاق الإطاري يصنف الجماعة كحزب سياسي، وأستبعد أن يشجع قادة المملكة التحزب السياسي.
ولا أظن أنهم يرضون أن يوصفوا بالتدخل في شؤون الآخرين، فهم يعتبرون حضورهم في الشأن السياسي السوداني مجرد وساطة، والأسر المالكة عموماً تمتاز بالحنكة والقدرة الإدارية.
وقلتُ حول قدرات شيوخ القبائل والأسر المالكة: (تعرفت على حفيد للسلطان علي دينار في بنجلاديش، وكان مديراً لفرع جمعية خيرية قطرية، وعلمت ممن كان قبلي أن هذا الفرع كان بأيدي فاسدين من أهل البلد يأكلون أموال الجمعية. وأن المكتب الرئيسي للجمعية أرسل عدداً من المدراء من جنسيات مختلفة لاستلام مكتبهم الفرعي، فلم يفلح منهم أحد بسبب استشراء الفساد هناك بما في ذلك المكتب الحكومي للمنظمات غير الحكومية. وأن الأخ حفيد السلطان علي دينار هو من نجح في استلام المكتب الفرعي. وأنه لم يعرف أحد سبب وجوده في بنجلاديش إلا بعد استلامه المكتب، هذا مع أنه كان يلتقي الناس، ومع أنه لم يكن يعرف لغة أهل البلد، ولم يستعن بأحد من الناس. وكتمانه سر وجوده في بنجلاديش هو أحد أسباب نجاحه، الأمر الذي لا يصبر عليه من تنقصهم الكاريزما الإدارية) [١].
ولا يخفى على قادة المملكة لا سيما الأسرة المالكة أهمية السيادة الوطنية وما في كلام أ. محمد أبوزيد من تعريض الجماعة للحل باتهمامها بخرق السيادة الوطنية بتنفيذ إملاءات خارجية.
وإن قصد أ. محمد أبوزيد بهذا الكلام التزلف، فإن لكل دولة مراكز دراسات استراتيجية إضافة لحنكة الأسر المالكة.
وليته اقتصر على التزلف، بل تعداه إلى الطعن في الجماعة بما ليس فيها، وزعم أنه منقذها، ومما قلتُ في الرد على زعمه بأنه صاحب الفضل الوحيد في تأصيلات علمية في الجماعة ما يلي؛
(وإيهامه بأن مشايخنا لم تكن لهم تأصيلات علمية لا يصح، فأين ذهبت تأصيلات الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة رحمه الله؟ وملازمة الشيخ أبي زيد محمد حمزة للعلامة المحقق الفقي رحمهما الله لمدة سبع عشرة سنة (من ١٩٤٢ إلى ١٩٥٩م)؟ وكذا قراءة مشايخنا وعوام أنصار السنة في كل أنحاء السودان لمجلة الهدي النبوي (التي سميت التوحيد لاحقاً)، وقراءتهم كتب الوكيل ودرويش وابن باز والألباني ... إلخ؟ رحمهم الله جميعاً، والتتلمذ على أبي طاهر السواكني والتقلاوي رحمهما الله تعالى؟ وغيرهم من الأعلام في سائر أنحاء السودان؟) [٤].
وأما ادعاء أ. محمد أبوزيد أن الجماعة تتخذ نهج العزلة السياسية، فالعزلة السياسية عنده هي اعتزال خوض المعترك السياسي، والجماعة ترفض أن تكون حزباً سياسياً أو أن ينبثق منها حزب سياسي.
وأما تجربة جبهة الميثاق الإسلامي فقد رفض الشيخ الهدية رحمه الله تكرارها، ورفض تكوين حزب خاص بالجماعة، بل رفض حتى ترشيح يوناس بول ديمانيال باسم الجماعة.
فعدم العزلة السياسية عند أنصار السنة هي اعتبار الجماعة تابعة للنظام السياسي السوداني الحاكم مثل غيرها من فئات المجتمع، تقدم النصح للحاكم والمحكوم، وتصلح ولو بتقليل شر أو دفع أضر أو تحقيق أصلح، ولا تعتزل المجتمع ولا تمنع أفرادها من تولي وظائف سياسية عليا، ومما كتبتُ في محاربة العزلة السياسية ما يلي؛
(الأصل أن تكون الأمة المسلمة أمة واحدة في النظام السياسي مع تمايز أصحاب المنهج الصحيح بمجموعاتهم المدنية التي يلزم فيها التمايز وهي التي تتزاحم فيها خلافات أصولية مع مشتركات أهل القبلة، كالدعوية والسياسية. يدل على ذلك اعتقاد أهل السنة وجوب الجهاد خلف كل بر وفاجر وسني ومبتدع من الحكام) [٥].
فبوحدة النظام السياسي يتوحد أهل القبلة في السودان، وأما دعوى أ. محمد أبوزيد بأن توحيد أهل القبلة يكون عبر جبهة إسلامية عريضة تأسياً بالترابي، فقد جرب هذا الترابي وغيره، فلم تؤد التجربة إلا إلى انشقاقات حتى داخل الجبهة العريضة.
ولم يكن أحد يظن أن يصل الحال ببعض من ينتسب إلى نصر السنة إلى الإقرار على علمنة السودان ولو مؤقتاً [٦].
وصدق شيخنا الألباني رحمه الله عندما قال بأن السياسة المعاصرة (خوض المعترك السياسي) هي بداية انحراف.
ومن أسباب وقاية أهل السنة من تكرار الخطأ؛ سلوك بديل شرعي للإصلاح السياسي يناسب الوضع المحلي والدولي والإقليمي.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمد نور
لوند، السويد
الجمعة ١٢ شعبان ١٤٤٤هـ، ٣ مارس ٢٠٢٣م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق