حول لقاء مع الأستاذ محمد أبوزيد

رجوع إلى قسم شبهات وردود
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللقاء المشار إليه هو؛ لقاء للأستاذ محمد أبوزيد مطصفى مع الإعلامي الطاهر حسن التوم في قناة s24  في برنامج حال البلد.
كان أكثر اللقاء معه عفا الله عنه باعتباره شيخاً وقيادياً في جماعة أنصار السنة المُحمدية، وقال في اللقاء بأنه انضم للجماعة سنة 1975م عن طريق أخيه الأكبر، وقال أبرز الحجج التي كان يقدمها لمن في جماعة الإخوان المسلمين لينضموا إلى أنصار السنة عندما كان طالباً في الثانوية نقداً لجماعة الإخوان هي التربية!؟ وأنه كان وقتها في مقتبل العمر والعلم كان قليلاً!
وأبرز خلاف لأنصار السنة مع الإخوان ليس التربية، بل هو في طريقة الإخوان التجميعية المخالفة لمنهج الرسل في الدعوة إلى التوحيد واتباع الرسل، والمخالفة لمنهج أهل السنة القائم على تصفية الإسلام من البدع، وطريقة الإخوان تختلف عن طريقة مشايخنا في التعاون مع الناس في المشترك بقدر الاضطرار أو الاحتياج وهما متوافران في مجتمع غالبه التصوف دون تنازل عن أصول أو فروع.
كتب لي أحد الإخوة: "أستاذ عمر، ألا تتفق معي أن التربية هي عنوان عريض يشمل مخالفتنا لهم في العقيدة التي هي أساس التربية ومحاربة أهل البدع والمتصوفة والشيعة؟ لعل الأستاذ عبر بلفظ عام".
فقلتُ: ربما، ولكن هذا التعبير ليس فيه إفصاح، والمستمع لا يفهم غير أن الخلاف فرعي، خاصة إذا أضفت إليه كلامه الموهم بتقارب أنصار السنة والمتصوفة، ومثل قوله عن أنصار السنة والإخوان: "كل الحركات الإسلامية اهتمت بقضايا إما أحادية أو فرعية".
قال في اللقاء: الآن أنصار السنة عندهم ارتباط بالصوفية، شيوخ الصوفية يأتون عند أنصار السنة وأنصار السنة يذهبون عند الصوفية وتساءل هل كان هذا موجوداً من قبل؟ والسؤال موجه إلى مناويء للدعوة وإلى عامة الناس! ولم يذكر الهدف من تلك الزيارات، موهماً بأنها للتقارب مع المتصوفة ولم يذكر أن الغرض منها الدعوة ودرء شر أعظم كالعنف الذي حدث في المولد من قبل بعض المتصوفة.
واللقاء فيه إساءة واضحة إلى أنصار السنة لأنه يتحدث في الإعلام للعدو والصديق، مثل قوله: "يستصحبون جزءاً من الواقع"، "لو وُضعوا في التجربة لفشلوا مثل غيرهم"، "يركزون على قضايا فرعية"، "نحن أحدثنا تغييراً كاملاً في سلوك الجماعة وليس فقط العمل السياسي وإلا أصبحت الجماعة قاعدة أو داعش".
وأنا لا أدعي الكمال لأنصار السنة ولا لسلفيي بلدة، وقد ذكرتُ هذا في ردي على الشيخ اليوسف، ولكن في نقد الأستاذ محمد أبو زيد للجماعة تعميم لا يصح وتعدٍ في نقد الجماعة وفي الإعلام، وسببه مخالفته للجماعة، وكان الأحرى به أن يتواضع لإخوانه ويتأمل في نقدهم له فلعل الصواب معهم.
تعميمه ما قال على أنصار السنة عدا الشيخ الهدية رحمه الله تعالى فيه ظُلم لبقية مشايخه وإخوانه وتلاميذه في العاصمة والأقاليم، وقد أوهم في اللقاء أن كل من خالفه في عمله السياسي خالفه في كل عمل سياسي، وذلك عندما قال: "هذا تطور" في إجابته على سؤال عن اعتراض بعضهم بقولهم لماذا لا تتولى أنصار السنة وزارة الإرشاد؟
وقال في اللقاء؛ كانت هناك أسئلة علمية في قضايا بعضها فرعية لم نجد عليها إجابة كشباب في أنصار السنة قبل دخولنا جامعة الإمام لأن العلم كان قليلاً! وقال مجمل تلك الأسئلة في مشاركة المجتمع في الأفراح والأتراح والقضايا الوطنية والقضايا الإسلامية العامة، وذكر من تلك الأسئلة؛ دراسة الشباب والشابات في الجامعات المختلطة، الصلاة خلف أهل البدع، ممارسة العمل السياسي، دخول البرلمانات، الدخول في اتحادات الطلاب، المآتم والفاتحة، الذهاب لزواج فيه منكر، شرعية التنظيمات والطاعة والإمارة، وقال عندما رجعنا بالإجابات من جامعة الإمام كانت الثورة.
وقال في اللقاء؛ تجربة شيخ الهدية كانت مختلفة عن أنصار السنة، وأن طريقة الشيخ الهدية كانت منذ دخوله الجماعة مع شيخه عبد الباقي يوسف نعمة منذ عام 1948م، وأن الشيخ عبد الباقي اشترط على أنصار السنة للدخول معهم ثلاث شروط؛ الصلاة خلف المبتدعة، عدم اعتزال المجتمع، ترك الغلظة والفظاظة في الدعوة، وأن الجماعة استجابت وجعلته رئيساً، وأنه حدثت انتكاسة في الجماعة بعد ذلك.
وكلامه هذا مبالغة في الثناء على نفسه وتقليل من شأن الرعيل الأول والجماعة وكأنهم لم يتلقوا العلم عن علماء! فقد كان هو من المُسهامين فقط في تلك المسائل بنقل كلام ابن تيمية رحمه الله وغيره في الموازنات وبعض المسائل، ولكنه للأسف لم يفهم ضوابطها، فالموزنات بين الحسنات والسيئات قد تدخل في الاحتياج إذا اقتضت فعل محرم لغيره أو الاضطرار إذا اقتضت فعل محرم لذاته أو ترك واجب، ولذا فقد انتقل من تشدد إلى تساهل، للمزيد؛ مدونتي » قواعد وأصول » الاضطرار والاحتياج والبلوى العامة.
وكذا الحال في الصلاة خلف المبتدعة وهجرهم، فقد نقل نقولات مفيدة لابن تيمية، ولكنه توسع فلم ينهَ عن اتخاذ أهل البدع جلساء، وتوسع فيما يسميه بالتقارب ووحدة أهل القبلة، وهدفه من ذلك تكوين حزب سياسي عريض يضم كل أهل القبلة.
والصحيح وجوب التمايز عن أهل البدع في مثل هذه المنظمات المدنية ووحدة المسلمين في النظام السياسي على طريقة أهل السنة الذين كانوا يرون الجهاد خلف كل مبتدع وسني وبر وفاجر، والصحيح أن الحزبية السياسية تفرق أهل القبلة ولا تجمعهم، انظر؛ مدونتي » منهج وإصلاح » التَّشْوَقِيَّة الشرعية بديلاً للديمقراطية الوضعية » ضرر التحزب.
وإيهامه بأن مشايخنا لم تكن لهم تأصيلات علمية لا يصح، فأين ذهبت تأصيلات الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة رحمه الله تعالى؟ وملازمة الشيخ أبي زيد محمد حمزة للعلامة المحقق الفقي رحمهما الل تعالىه لمدة سبع عشرة سنة (من ١٩٤٢ إلى ١٩٥٩م)؟ وكذا قراءة مشايخنا وعوام أنصار السنة في كل أنحاء السودان لمجلة الهدي النبوي (التي سميت التوحيد لاحقاً)، وقراءتهم كتب الوكيل ودرويش وابن باز والألباني ... إلخ؟ رحمهم الله تعالى جميعاً، والتتلمذ على أبي طاهر السواكني والتقلاوي رحمهما الله تعالى؟ وغيرهم من الأعلام في سائر أنحاء السودان؟ 
وبذكر الشيخ أبي طاهر السواكني يُذكر انضمام جماعة التوحيد التي تأسست في شرق السودان لجماعة أنصار السنة المحمدية.
وقلتُ لمن علق على مسألة التربية: ولعلك تذكر أخي قول شيخنا أبي زيد رحمه الله تعالى رداً على بعض إخواننا لما التقيناه في المدينة المنورة قبل أكثر من عقدين من الزمن: "الفقي رحمه الله تعالى كان يقول لنا صوتوا لفلان ولا تصوتوا لفلان"، وسمعته بعد خلافه مع المركز العام يقول بأنه لا يمانع من تولي مناصب حُكومية عليا.
وفي اللقاء تعدٍ على من خالفنا في بعض المسائل التي أشار إليها من السلفيين، وفيه تعدٍ على غلاة التجريح الذين ينتسبون إلى السلفية، وغلاة الترجيح هم في الحقيقة أهل بدعة وفرقة لأنهم يوالون ويعادون على آرائهم ويفارقون بها أهل السنة ويفرقون بها بينهم، ولكنهم أقرب أهل البدع إلينا، وللمزيد حول بيان أخطاء غلاة التجريح؛ مدونتي » إصلاح وتكميل » تصنيف الناس بين الغلو والجفاء.
وفي اللقاء تجويز مجاملة النصارى في عيد الكرسمس بشرط الدعوة إلى التوحيد والنهي عن التثليث، وفيه إيحاء بجواز الموسيقا والتماثيل الأثرية وذلك عندما سئل هل يجب إعادة النظر في تحريم الموسيقا والتماثيل؟ فأجاب ثمة أشياء كثيرة أُعيد النظر فيها، وقد أجاز في لقاء آخر عيد الحب بشروط، واستمع إلى الموسيقا مجاهراً بسماعها وباعتباره قيادي في جماعة أنصار السنة، ولدفع شبهاته التي يشيعها سراً حول الموسيقا؛ مدونتي  » شبهات وردود » إبطال إباحة السماع بحجة عدم الإجماع.
ومما درسناه في القضاء في كلية الشريعة أن الحُكم بالقرائن قد يكون أقوى من الشهادة والاعتراف، فالقرينة الواحدة قد تكون يقينية {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (3) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، والقرينة قد تكون ضعيفة، وإذا اجتمعت القرائن الضعيفة فإنها قد تفيد اليقين او الظن الغالب.
حتى الصحابة رضي الله عنهم ليسوا معصومين من كبائر الذنوب فضلاً عن الصغائر، ولكن ليس من الممكن عقلاً أن يجاهر داعية بمعصية اختياراً دون اضطرار وهو يرى أن الموسيقا حرام، وعندما استمع إلى الموسيقا في اللقاء الذي سمعه فيها اختياراً وسئل عن الغناء قال "كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح" دون أن يفصل في حُكم الموسيقا إضافة إلى دعوته في هذا اللقاء إلى إعادة النظر في حُكْمِها.
قالفي اللقاء: "جاء الكرسمس فطلبوا مني أن أذهب لأجاملهم، فقلتُ: جداً"، وهذا يدل على أنه فعل ذلك اختياراً وليس موازنةً، وما أسماه بالموازنات قد يدخل في الاضطرار أو الاحتياج ومن شروطهما التعين ومعناه عدم جواز فعل المحرمات مع السعة والاختيار.
في اللقاء طعن في الحركة العلمية الإسلامية التاريخية جملةً واتهام لها بأنها مكبلة وضعيفة ومحصورة في دوائر ضيقة.
وفي اللقاء إيحاء بأن المشروع المتكامل بحاجة إلى الجماعات الإخوانية والسلفية وغيرها، ولعله أخذ هذا من الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق عفا الله عنه الذي كان والده مع الإخوان وكان هو معهم في أول الأمر ثم فارقهم، وقد رددت عليه في هذه المسألة في؛ مدونتي » شبهات وردود » الإخوان بين اليوسف والمدخلي وأنصار السنة.
وفي اللقاء اتهام للسلفيين ومن هو أقرب إليهم من أهل البدع "غلاة التجريح" أنهم لا يعُدُّون سلفياً إلا من كان خالياً من الذنوب كالملائكة، ولا يوجد في أي واحد من هؤلاء من يجهل أنه لا عصمة لغير الأنبياء من كبائر الذنوب فضلاً عن الصغائر، وكلام بعض الجهلة ممن ينتسب إلى السلفيين لا يُنسب إلى السلفية.
ويبدو أنه اتهم السلفيين بأنهم لا يعدون سلفياً إلا من كان خالياً من الذنوب بناءاً على كلام جهال ولأنه لا يميز بين حُكم تولية الفاسق الذي يجاهر بالمعصية واختيار العدل في الولايات والشهادة وبين الاضطرار إلى تولية الفاسق لضعف في العدل ونحو ذلك.
الانتكاسة التي تحدث عنها في اللقاء لم أشاهدها في أنصار السنة منذ بلوغي سن التمييز عام 1977م، وذلك بعد سنتين من دخول الأستاذ محمد أبوزيد في أنصار السنة، فكل ما لاحظته في مدينة الأبيض تصرفات وآراء فردية من بعض عوام أنصار السنة يتم ضبطها عادةً، ومن تلك التصرفات الفردية النادرة ما ذكره من أنَّ من يحمل سبحة من المتصوفة في أحد مساجد الجماعة يُطرد أو لا يُدعى بحكمة، وقد وردتنا هذه التصرفات إلى مدينة الأبيض في الثمانينات من العاصمة ولم تكن موجودة في الأبيض، وكانت من عوام من الشباب.
وفي اللقاء زعم بأنه ومن معه ممن تخرج من جامعة الإمام لهم الفضل في تلك الجوانب وحدهم، وفضلهم لا يُنكر ولكنه تناسى إخوانه وشيوخه في العاصمة والأقاليم مع تعدٍ على من خالفه، وذلك في قوله: "نحن أحدثنا تغييراً كاملاً في سلوك الجماعة وليس فقط العمل السياسي وإلا أصبحت الجماعة قاعدة أو داعش"، وهذا الكلام فيه أيضاً إساءة للجماعة ومبالغة في الثناء على نفسه وصاحبيه.
وهذا يذكرني ادعاء صاحبه دكتور الكودة أنه أول من شارك ببرامج تلفزيونية من أنصار السنة متناسياً مناظرة الشيخ أبي زيد محمد حمزة رحمه الله الشهيرة مع علي زين العابدين الصوفي والتي كانت فتحاً للدعوة وكانت قبل برامج د. الكودة بما يزيد عن عشر سنوات.
وبمثل هذا التعميم وهذه المبالغات نسي الأستاذ محمد أبوزيد مشايخه وإخوانه من الجماعة في الأقاليم وأطراف العاصمة، وبعض من غمط حقهم تلاميذ له خالفوه الرأي في بعض المسائل، ونحن مأمورون بالقسط والعدل، والاعتداء إما غرور أو انتصار للنفس أو تهويل لمنافسة الخصم.
وادعاؤه غياب النظرة المتكاملة وأنها في ذهنه هو ككليات وليس تفصيلاً فيه غمط لغيره من العلماء وطلبة العلم، وظللت أسمع منه ومن غيره عن رؤية له ولم أرها، وما يبدو من تلاميذه وصاحبه د. الكودة والذي يعد تلميذاً له في رؤيته السياسية هو أنه يتبنى الديمقراطية الغربية بجميع آلياتها، وهذا تقليد وليس تنظيراً، ولا أدري وجه تسمية المولعين به إياه بالمنظر!
وبهذه المبالغات في أثره في الجماعة تناسى الأستاذ أن بعض الإخوة لم يتتلمذوا عليه ولم يسمعوا أو يقرؤوا له شيئاً، فمثلاً كاتب هذه الكلمات وبحكم بعدي عن العاصمة لم أسمع له إلا محاضرة في الأبيض ولقاءين فيما أذكر أحدهما في جامعة الخرطوم والآخر في المدينة المنورة، ولم أقرأ له سوى مقالاً علمياً واحداً في مجلة الاستجابة في الثمانينات ورسالة واحدة اسمها "المفهوم السلفي للعمل السياسي"، ولا أدري هل كتب غيرها أم لا.
وأما مسألة تولي الولايات وما أسماه بالعمل السياسي؛ فلا يختلف السلفيون في أهمية مزاحمة الباطل بآلية لا ضرر فيها أو ضررها أخف عند التعارض والتزاحم، ولذا اتفقوا على جواز بل وجوب التصويت للأخف ضراً، وعلى جواز تولي ولاية أو دخول برلمان بتعيين ونحوه، وإنما يُحذر المحققون من السلفيين من خوض المعترك السياسي لما في ذات هذه الآلية من مفاسد تنقض مقصد تخفيف الشر ودفع الأضر وتحقيق الأصلح، للمزيد؛ مدونتي » منهج وإصلاح » الإصلاح السياسي الأصلي والاستثنائي » السعي الحزبي للسلطة.
وأهم واجبات الحكومة المسلمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والذي هو مقصود الولاية، وأوله التوحيد ثم الصلاة {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
فالولايات من حيث أصل وظائفها منها الواجب ومنها المستحب ومنها الجائز، ووزارة السياحة والآثار وظيفتها الأصلية الجواز إذا لم يكن فيها مخالفات، ومع ذلك قد يجوز توليها لتخفيف الشر ومنع إشاعة الخمور والفواحش ونحو ذلك من المقاصد الحسنة بشروط الاضطرار، وللمزيد؛ مدونتي » منهج وإصلاح » الإصلاح السياسي الأصلي والاستثنائي » كيفية الترجيح في تولي وظائف سياسية.
وقوله بأن وزارة الإرشاد فيها رعاية بدع وكنائس لا ينفي أنها أنفع، إذ لا يؤاخذ المتولي بما يعجز عنه، لأن ترك توليها ليس فيه إيقاف لرعاية البدع والكنائس مع ما في تركها من تولي مبتدعة كالمتصوفة يزيدون ما فيها من شر أو لا يقللونه، فتوليها قد يخفف الشر أو يمنع زيادته، وضعف الإمكانات يمنع من رعاية المساجد بما يليق بها فضلاً عن الكنائس، والتورية بضعف الإمكانات جائزة في مثل هذه المسائل.
ودعوى أن العمل السياسي الذي يُراد به خوض المُعترك السياسي متأصل في الجماعة دعوى يعرف بطلانها من يرددها قبل غيره، فتجربة جبهة الميثاق الإسلامي كانت تجربة وقد جزم المشايخ الهدية وأبوزيد رحمهما الله تعالى ألا يكرروها، والتجربة تطلق على ما كان في طور الدراسة، وكان الشيخ الهدية قد رفض أن يترشح يوناس بول ديمانيال باسم أنصار السنة، ولم يقبل بنزوله مستقلاً إلا بعد إلحاح الشباب وقتها، ومعلومٌ أن الشيخ الهدية رفض إنشاء حزب سياسي رغم المحاولات المستمرة عبر السنين لإقناعه، ومنها محاولات الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وغيره.
وقد ذكر الأستاذ محمد أبوزيد أن المعاصي متفاوتة؛ الصغائر والكبائر والموبقات، ولاشك أن كل واحدة من هذه الثلاث كذلك متفاوتة، ولكنه أوهم أن كل من خالفه في بعض تلك المسائل أو في مجموعها لا يعرف أو لا يراعي هذا التفاوت في الموازنات ونحوها.
ومن المناسب التنبيه إلى أن القاعدة التي نقلها الأستاذ محمد أبوزيد عن العلماء بأن "البدعة شر من المعصية" المقصود بها أن جنس البدعة شر من جنس المعصية، فمثلاً الاحتفال بالمولد لا يمكن أن يكون شراً من ترك الصلاة، والاحتفال بالمولد الخالي من غير الاحتفال من منكرات بدعة مكروهة عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، والمقصود كراهة التحريم إذ ليس في البدع مكروه كراهة تنزيه، فالبدع متفاوته؛ فمنها المكروه كراهة تحريم، ومنها المحرمة، ومنها المكفرة، ولا شك أن كل مرتبة من هذه الثلاث للبدع مراتب مختلفة كما فصل ذلك الشاطبي رحمه الله وغيره.
حاد في إجابته على سؤال عن أبرز ما ينتقده على الإخوان مرتين، قال في الأولى "وقتها عندما كنتُ في مقتبل العمر وكان ثمة نقص في العلم" ثم قال بعد تكرار السؤال بوضوح: "كل الحركات الإسلامية اهتمت بقضايا إما أحادية أو فرعية"، وهذا ليس فيه إفصاح مع ما فيه من حيدة، وحاد أكثر من مرة عن سؤال المذيع له عن أنصار السنة بقوله "ليس فقط أنصار السنة"، وبلغني أنه ظن أن الإخوان سيتخذونه منظراً بعد موت زعيمهم الترابي.
ومن العموم المُبهم قوله؛ "كل الجماعات عليها استصحاب الواقع كقاعدة للاجتهاد الإسلامي الذي يُمكن أن يغير حياة الناس ثم تُنتج نظرية نستطيع أن نضعها مقابل النظريات الغالبة في العالم اليوم"، وما هي هذه النظرية وهو يقلد الغرب في الآليات الديمقراطية؟
ومما كشف ما يخفيه أنه قال في بداية اللقاء عن علاقة أنصار السنة مع الحكومة أنها مشاركة وليست محاصصة، وفي منتصف اللقاء قال "بينما هذه حصة كان متفقاً عليها"، وصرح قبلها في الإعلام كثيراً بأنها محاصصات.
ثم ادعى ومن معه بأن الإعلام يكذب عليه! من غير سعي منه ومعاونيه لمقاضاة أولئك الإعلاميين، والسؤال؛ لماذا لم يكذب الإعلام على الشيخ الهدية والشيخ أبي زيد رحمهما الله تعالى؟ ولم نسمع بأن الإعلام يكذب على الأحزاب وقادتها بهذه الطريقة الغريبة.
فالملاحظ في التصريحات الإعلامية لشيخينا الهدية وأبي زيد رحمهما الله تعالى وصف تولي بعض أفراد الجماعة وظائف سياسية عليا بأنه فردي وليس تمثيلاً للجماعة.
وطريقة مشايخنا هي الصحيحة لأسباب منها؛ أن آلية التعيين نفسها ليس فيها مفاسد في ذاتها خلافاً للمحاصصات والحزبيات، ومنها؛ أن المحاصصات تجعل الجماعة حزباً سياسياً ينافس غيره في الدنيا وتفرق الجماعة للتنافس بين أفرادها على وظائف سياسية عليا، للمزيد؛ مدونتي » منهج وإصلاح » الإصلاح السياسي الأصلي والاستثنائي » السعي الحزب للسلطة.
والتورية إنما تجوز فقط عند الاحتياج بشروطه ولأسباب شرعية وبذكاء يمنع من اطلاع الناس على التورية، لأن المؤول إذا ظهر الناس على كذبه صار ذلك قادحاً فيه كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى.
قال العثيمين رحمه الله في التورية؛ (وما دام أنه غير محتاج، فلا يعرض نفسه للقدح والذم، أما إن احتاج، كشخص يسألك عن شئ محرج لا ينبغي أن يسأل عنه، لأنه ما يعنيه، وأنت لا تود أن تعلمه به، فهنا لا بأس أن تتأول)، المصدر؛ الموقع الرسمي للإمام ابن عثيمين، الشرح الممتع على زاد المستقنع » المجلد 13 » باب التأويل في الحلف.
بل إن تصريحات الأستاذ محمد أبوزيد حول رأيه في الموسيقا وحول تعيين بعض أفراد الجماعة في وظائف سياسية عليا تشير إلى أنه يرى جواز الكذب لأجل مصلحة الدعوة، ففي تصريحاته تناقضات واضحة وادعاءات لا يمكن تصديقها.
ومن يقول بجواز الكذب لمصلحة الدعوة اعتمد كلام بعض العلماء الذين يقولون بأن الكذب كلامٌ حسنه حسن وقبيحه قبيح وأن له حكم مقصده، ولا شك في خطأ هذا الكلام لأن الكذب محرم في الأصل.
وما يكون حكمه حسب مقصده هو المباح في الأصل كالسفر، وأما المحرم فإنه لا يجوز إلا عند الاضطرار إذا كان محرماً لذاته، ويجوز عند الاضطرار والاحتياج إذا كان محرماً لغيره، والحاجة تقدر بقدرها كالضرورة.
وبالمثال يتضح المقال؛ فإبداء المرأة زينتها محرم لغيره لأنه يؤدي إلى الزنا، ومن أمثلة المحرم لذاته الزنا وأكل الميتة.
وأما قاعدة اعتبار الأصلح عند تعارض وتزاحم الخير والشر؛ فقد يلزم فيها اعتبار شروط الاحتياج أو الاضطرار، ومن ذلك التعيُّن، ومعنى التعين هو عدم وجود طريق مباح لتحقيق الأصلح.
وعدم مراعاة هذين الشرطين ونحوهما هو في الحقيقة اتباع لقاعدة؛ الغاية تبرر الوسيلة التي يتبعها الخائضون في المعترك السياسي.
والأصلح حسب المحرم الذي يُحقق به، فإذا كان متعلقاً بفعل محرم لذاته؛ فإن الأصلح لا يكون كذلك إلا إذا كانت المصلحة ضرورية، وذلك لأن المحرم لذاته فيه ضرر في فعله، فلا يجوز فعله إلا لدفع أو رفع ما هو أضر.
وأما الأصلح المتعلق بفعل محرم لغيره فقد يوصف بذلك إذا كانت المصلحة حاجية، وذلك لأن المحرم لغيره لا ضرر فيه في ذاته، فيجوز لتحقيق مصلحة حاجية عند الاحتياج.
والمصالح الضرورية هي ما يترتب على فواتها ضرر، والحاجية هي ما يترتب على فواتها مشقة أو فوات ما لا غنى عنه من غير ضرر، والتحسينية هي المصالح التي لا يُفتقر إليها.
فكل ضرر تقابله مصلحة ضرورية، ولا يقابل المصلحة الحاجية ضرر.
والكذب محرم لذاته، والمحرم لغيره الذي يجوز عند الاحتياج هو التعريض والتأويل وليس الكذب الصريح.
والتعريض أو التأويل هو مثل أن تقول: "ما رأيتك" وأنت تقصد ما ضربت رئتك، لأن هذا من معانيها في اللغة.
وحتى جواز التعريض ليس بإطلاق القول بأنه كلامٌ قبيحه قبيح وحسنه حسن، وذلك لأن الحاجة تقدر بقدرها كالضرورة، والأصل في المحرم لغيره أنه محرم كأكل الميتة ولكنه أقل حرمة فجاز للحاجة.
وأما ما ورد في الترخيص في الكذب في ثلاث فهو إما للاضطرار في الكذب الصريح أو للاحتياج في الكذب غير الصريح.
فقد صح عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله ﷺ وهو يقول: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيراً وينمي خيراً، قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث؛ الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها)،  أخرجه البخاري (٢٦٩٢) مختصراً، ومسلم (٢٦٠٥).
فمصلحة الإصلاح بين الناس ضرورية، لأنها ترفع ضرر النزاع، وهو ضرر واقع.
وأما الكذب في الحرب؛ فلما فيه من حفظ مصالح ضرورية أهمها مصلحة الدين، والحرب أمارة فوات تلك المصالح.
وأما حديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها فيجوز في أمرين؛ الأول؛ الزيادة في الثناء على الحسن والجمال أو على العقل وتحمل المسؤولية، وهذا ليس كذباً صريحاً لعلم من يُثنى عليه غالباً بأن في الكلام مبالغة للمجاملة، فمن عادة الناس المبالغة أحياناً في الثناء لمقاصد حسنة، والثاني؛ الكذب عند وجود نزاع بين الزوجين أو توقع حدوث نزاع بأمارات تدل عليه، وهو داخل في الإصلاح بين الناس.
ويُشترط في فعل محرم لذاته أن يكون الضرر إما حالاً موجوداً أو له أمارات موجودة تدل على احتمال وقوعه بظن غالب أو يقين.
فالضرر الموجود يُرفع (تجلب مصلحة ضرورية مقابلة)، كالخصام والنزاع فهو ضرر حال موجود، والمصلحة الضرورية المقابلة هي مصلحة حسن العلاقة.
والضرر المخوف يُدفع (تحفظ مصلحة ضرورية مقابلة)، فالفتنة عن الدين تدفع بالكذب في الحرب، فالضرر المراد دفعه هنا هو الفتنة عن الدين والمصلحة الضرورية المقابلة المراد حفظها هي الدين، وأمارة حدوث الفتنة هي الحرب.
ويُشترط في فعل محرم لدفع ضرر (حفظ مصلحة ضرورية مقابلة)؛ وجود أمارات في الحال تدل على توقع الضرر (فوات المصلحة الضرورية) بيقين أو ظن غالب.
وذلك لقول الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، والمخمصة هي الجوع الشديد، وهو الذي يُخشى أن يقع بسببه ضرر على الإنسان، ففي الآية دليل على اشتراط أن يكون للضرر المراد دفعه أمارات واقعة وليست متوقعة.
وللمزيد حول هذه الأحكام الاستثنائية وشروطها وما يتعلق بها من موازنات بين المصالح والمفاسد حبذا الرجوع إلى مبحث؛ الاضطرار والاحتياج والبلوى العامة.
وطريقة الأستاذ محمد أبوزيد فيها شبه بطريقة الترابي مع أنه نفى تأثره بالترابي، فالترابي يكذب أحياناً ويستخدم عمومات فيها تورية وعدم إفصاح أخرى، ومثل هذه التورية الواضحة يعدها الناس استخفافاً بهم، ولهذا قيل عن الترابي أن فيه غرور واستخفاف بالناس، ومبالغة الأستاذ في مدح نفسه وادعاؤه بأن المشروع المتكامل غائب وأنه في ذهنه ككليات يحمله الناس عادةً على أنه غرور وغمط للناس.
وقد قال لي أحد العوام من قدامى إخواننا السلفيين عن لقاء الأستاذ محمد أبوزيد؛ "كلامو عجيب جداً، لف ودوران، أنا ما أدري كيف رأيكم إنتو أهل العلم في الكلام ده؟".
وبعد، فما قلتُ لا ينفي فضل الأستاذ محمد أبوزيد وجهوده، ولكن يؤخذ عليه الإصرار على تنفيذ مشروعاته في الجماعة مهما كلف ذلك من شقاق وخلاف وتصدع مع روغان وكيد في تنفيذ مشاريعه.
والله تعالى أعلم.
عمر عبداللطيف محمدنور عبدالله
لوند، السويد
الأحد 12 صفر 1438ه، 13 نوفمبر 2016م

رجوع إلى قسم شبهات وردود

هناك تعليقان (2):

  1. غير معرف10/28/2022 12:24:00 ص

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ياشيخ عمر أرجو طبع هذه المقالات فإنها ورب الكعبة نافعة والحاجة إليها ماسة.

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أسأل الله تعالى أن ييسر طبعها، وجزاك الله خيراً.

      حذف